جنوب وأهوار العراق: خيرات ومعاناة

 “يتحدث الكثيرون عن جمال طبيعة أهوار العراق، ولا يتحدثون عن سكان الأهوار ومعاناتهم
 وما تعرضوا له من ظلم وإهمال وتهميش عبر السنين”

تمهــــــــــــــــيد:
من المعروف أن الحضارة الإنسانية قد بدأ شروقها في الجزء الجنوبي من وادي الرافدين الغني بالموارد المائية والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية. حيث شهد جنوب العراق نشأة أول حضارة إنسانية وصلت إلينا، ألا وهي الحضارة السومرية قبل ستة آلاف عام. وقد ساهمت هذه الحضارة في دفع عجلة التقدم البشري وتكوين اول التجمعات الأنسانية على شكل مدن متكاملة، وتحكموا بمصادر المياه ببناء السدود والقنوات للسيطرة على الفيضانات. وما ملحمة كلكامش، الملك السومري الذي دفعه حزنه الشديد على موت صديقه، للقيام برحلة طويلة بحثاً عن سر الخلود، إلا إحدى الأدبيات التراثية من ذلك العهد العظيم.

ونتيجة لخيراته الواسعة، وقع وادي الرافدين تحت الأحتلال الأجنبي تلو الآخر لحين الفتوحات الأسلامية التي انتصرت على الساسانيين. واعتنق سكان العراق الذين لا ينتمون لأي ديانة سماوية، الدين الإسلامي واضحى العراق بكثافة سكانه، اضافة واسعة لحجم وقوة المسلمين. وقد اختيرت الكوفة لتكون عاصمة لخلافة الدولة الأسلامية في عهد الأمام علي (ع). وبتعاقب العهود الأسلامية المختلفة، ازداد استيطان العشائر العربية في العراق، واخذت العادات والتقاليد العربية تُكتسب أكثر فأكثر من قبل السكان الأصليين الذين وَجدوا فيها قيماً مناسبة لتنظيم حياتهم الأقتصادية والأجتماعية.                                                                     


أهوار جنوب العراق: طبيعة وخيرات:
تغطي مساحات شاسعة من جنوب العراق أهوار ومستنقعات تستمد مياهها من الفيضانات الموسمية لنهري دجلة والفرات في ربيع كل عام نتيجة لذوبان الثلوج في جبال فارس والأناضول. ومن اهم هذه الأهوار هي هور الحمار وهور الحويزة وهور الجبايش وهور الرستمية وهور مجنون. حيث تمتد الأهوار من جنوب الفرات الأوسط ومتوسعة في محافظات ميسان وذي قار والبصرة، ومن الشرق تتداخل اهوار العراق مع اهوار إيران. وتعتبر منطقة الأهوار أكبر وأهم ملجأ طبيعي للطيور في الشرق الأوسط، وأحد اهم عشر مناطق مائية في العالم كله. ويأتي ذلك من كونها الملجأ الوحيد لثلثي الطيور المهاجرة عبر الشرق الأوسط  ما بين سايبريا وافريقيا، كذلك فإنها المسكن الدائم لأكثر من مئة نوع من الطيور المائية النادرة الموجودة في العراق مثل البط والوز والحباري والنسر الملوكي والبجع الدلماسي والبلبل العراقي المحبوب. والأهوار غنية بالثروة السمكية، وتعتبر مصدراً مهماً في توفير السمك للمدن المحيطة بها.  ومن أنواع السمك المتوفر في الأهوار نذكر البني والشبوط والهامور والزبيدي وانواع عديدة اخرى. كذلك فإن الأهوار أرض خصبة لتكاثر الروبيان الذي ينساب تدريجياً الى المياه الدافئة في الخليج. ونظراً لأهمية الأهوار القصوى للمنطقة وللعالم أجمع، فإن المركز الدولي لمراقبة الحفاظ على البيئة قد رشح كل من بحيرة هور الحمار وأهوار الناصرية وأهوار الشطرة كمراكز تحتاج لحماية بيئية خاصة للمحافظة عليها دونما اي تغيير(1).

لقد عشق المستكشفون الأجانب، الأهوار حينما زاروها. حيث وصفتها الكاتبة البريطانية فريا ستارك عام 1945، على انها بساط مائي واسع يحفز متعة الخيال خاصة عند الغروب، دون ان تدفع لذلك ثمن يذكر(2). وتغنى بها الرحالة مكسويل في منتصف الخمسينات من القرن العشرين، حيث اذهلته المناظر الطبيعة الخلابة للأهوار. وهاهو يصف إحدى رحلاته الصباحية التي بدأها من قرية أبوملح، حيث يقول: “أخذ مشحافهم يتلوى من خلال الأزقة المائية الضيقة، الى ان إنفرج امامهم الأفق ليروا من بعيد أشجار النخيل الشامخة، وتناسق الالوان الذي يحبس الأنفاس. حيث ترائى له من بعيد بساط برتقالي اللون منشور أمام بيوت من القصب، وكأنه الرداء الملكي المزكش، لا بل أكثر إشراقاً وزهوا. وليس هناك مكان على الأرض يزدهر به الربيع، مثل ضفاف دجلة والفرات التي تعلو على جانبيها بساتين نخيل التمور، وبين ثناياها تتفتح الورود الزاهية الألوان، وعلى مدى البصر تمتد سماء زرقاء تتلاشى في الأفق البعيد. إنها حقاً جنة عدن بعينها”(3).

إقتصاديات سكان الأهوار:
سكان الأهوار نوعين. النوع الأول هم من يسكنون على ضفاف الأهوار وأمتدادهم نحو اليابسة. وهؤلاء يعملون بدرجة أساسية في زراعة الشلب (الرز)، وبالتالي فإنهم خاضعين لنظام ملاك الأراضي والمشايخ والإقطاع. أما النوع الآخر فهم من يسكن الأهوار بين القصب والبردي والذين يعيشون إما في جزر طبيعية صغيرة، أو يصنعون جزرهم عن طريق استخدام الجاموس في طي القصب واضافة الطين فوقه عدة طبقات، ومن ثمّ بناء بيوت من القصب والحصران والطين على تلك الجزيرة، التي تحتاج الترميم المستمر. وهؤلاء القوم هم من أفقر الفقراء، والذين يسمونهم العامة “المعدان” الذين لا يرتبطون بالإقطاع لأنهم لا يحرثون ولا يزرعون أرضاً، وانما  يعتمدون على ما تدرهُ عليهم الجاموس من منتجات الألبان. ويرى السيد مصطفى جمال الدين وهو من أهالي المنطقة، أن المعدان يشبهون من بعض الوجوه إخوانهم العرب الذين يعيشون على تربية الأغنام والبدو الذين يرعون الأبل، فكلهم لا مكان ثابت لسكناهم، لأنهم لا تربطهم بالتربة أراضي زراعية، فأراضي أهل الأهوار هي ضروع جواميسهم التي يتنقلون معها، حسب المراعي التي يكثر فيها النبت الصغير من القصب الذي يسمونه بـ (العُنكر)(4) وعلى  موارد موسمية أخرى مثل صيد الأسماك مستخدمين لآلاف السنين “الفالة” ذات الخمسة رؤوس، ولم يستخدموا الشبك في صيدهم إلا مؤخراً، لأرتفاع سعر الأسماك في الأسواق ولأزدياد الطلب عليها. كذلك فإنهم يستمتعون بصيد انواع الطيور التي تمتلأ بها الأهوار مثل البط والوز والدراج والقطه. ولعل اهم ما يميز اقتصاديات سكان الأهوار هو قدرتهم على الأكتفاء الذاتي من خلال إعادة تدوير مواردهم المحدودة. حيث ان حياتهم الأقتصادية مبنية على الأستفادة من كل الموارد المتاحة لهم محلياً استفادة قصوى. والأستغناء قدر الأمكان عن كل ما يتطلب شراءه من المدن. فبالأضافة لأستخدام القصب كعلف اساسي للجاموس فإنهم ينسجون منه الحصران (السجاد) والسلال. ويستفاد منه في بناء بيوت القصب وأسوارها. أما الجاموس المائي، فإنه مصدر اساسي للحياة في الأهوار. فمنه الحليب الغني بدسمه، والذي يشتق منه الزبد والجبن واللبن (الزبادي). كذلك يُستخدم الجاموس بمثابة  “الشفل” لشق الطرق المائية بين القصب العالي الخشن الملمس. وهذه الطرق هي بمثابة الشوارع والأزقة الضيقية التي لا تسع سوى لمرور مشاحيفهم ذات التصميم الهندسي الرشيق. كذلك تستخدم فضلات الجاموس وقوداً للطبخ والتدفئة. أما طعامهم المفضل فهو مما متوفر محلياً من الرز والسمك والطيور مع حليب الجاموس ومشتقاته. والمعروف عنهم أنهم يحتسون الشاي بالسكر والقهوة المرة، ويكثرون من ذلك خاصة في جلسات المضايف المسائية وفي مناسبات الأفراح والمآتم.
 

           

المرأة في الأهوار:
للمرأة في الأهوار دور فعال في الحياة الأجتماعية والأقتصادية للعائلة. فإذا كان الرجل رب الأسرة عُرفاً، فإن المرأة في الأهوار هي المحور الأساس والسندان الذي تعول عليه العائلة. فهي ربة بيت مسؤولة عن تربية الأطفال واداء الأعمال المنزلية من دون استخدام الأجهزة والأدوات الحديثة. وهي تجلب الماء للبيت وتقطع القصب لتقدمه علفاً للجاموس. كذلك فإنها تقوم بدور البائعة لما تنتجه العائلة من حصران وسلال ، وما تكرره وتخمره من منتجات الألبان. وهي تقود المشحوف بمفردها وتنزل الى الأسواق لتتم صفقاتها التجارية بكل جدارة وثقة، لتعود لمنزلها محملة بما يحتاج اليه البيت من سُكر وشاي ورز وطحين وسكائر وعلب الكبريت. وحقيقة الأمر ان المرأة في هذه المجتمعات تقوم بكل شئ ما عدى حلب الجاموس الذي يقوم به الرجال.  وعلى الرغم من مشاركتها الفعالة في شؤون العائلة، إلا انها لا تشارك في جلسات المضايف المسائية المخصصة للرجال فقط. وهي جلسات للمسامرة ورشف فناجين القهوة المرة الواحد بعد الآخر، ولتقديم السكائر سواء اللف او المزبن او المعلب، وليستمتعوا بسماع قصص بطولات فرسان العرب، وحكايات ألف ليلة وليلة الخيالية، وعن عنتر وعبلة وعن الجن والسعلوة والآفة والحوت.

                                                                          

ويصف ثيسيجر عرب الأهوار بأنهم شديدي الأعتزاز بكرامتهم، ويبلغ كرمهم حداً غير معقول، فلا يمانع احدهم بأن يمنحك ثوبه الوحيد الذي يلبسه اذا طلبت منه ذلك. أما المستكشفة والكاتبة الأنكليزية أثيل ستيفنز التي عاشت في العراق منذ عام 1919 لغاية عام 1939 والتي زارت فيها معظم المدن التي لها تاريخ حضاري مثل نينوى وبابل وأور، “إنها وجدت في سكان الأهوار الشئ الكثير من طباع الطيور المائية التي ترفرف وتنتفض عند الدخول الى الماء والخروج منه. كذلك فقد لفت نظرها سرعة البديهة في رصد النكة في الكلام، وهيامهم في الشعر والغناء”(5).

وترجع أصول عرب جنوب العراق الى قبائل البدو في الجزيرة العربية، وعلى ذلك فإنهم ينقسمون الى قبائل وعشائر وأفخاذ وألبو. نذكر منهم، آل الفرطوس، بني أسد، آل زيرج، آل عيسى، ألبو دراج، ألبو محمد، بني لام، آل حسن، ألبو علي، ألبو غنام، ألبو صالح، ألبو شامة، الأمارة، بني خيكان ومنهم آل جوبر، ليصلوا الى أكثر من مئة عائلة وعشيرة.  ويتفاخر أهل الجنوب بتضامنهم مع بعضهم البعض ويؤمنون بالمسؤولية الجماعية. فإن أخطأ أحدهم فإن العشيرة برمتها تتحمل مسؤولية ذلك، وتشارك في تسديد تكاليف التعويض ودفع الفدية. ويشبه ذلك ماهو متعارف عليه حالياً بنظام التأمين ضد الشكاوي العامة او الخاصة.

المعاناة: سلسلة متواصلة
لقد تعرض النظام العشائري التضامني التقليدي في جنوب العراق في مطلع القرن العشرين الى تغييرات جوهرية. حيث تغيرت العلاقات الأقتصادية والأجتماعية من كونها تضامنية وتكافلية، الى علاقات إقطاعية وشبه إقطاعية معتمدين في ذلك على الدستور العراقي الذي كُتب عام 1925، الذي استثنى الريف من الخضوع للسلطة المركزية والقانون العام، ومنح الشيوخ سلطات واسعة بموجب قانون العشائر وقوانيين تسويات الأراضي التي استطاع من خلالها الشيوخ إبتزاز العهد الملكي الضعيف والسيطرة على اراضي واسعة وخصبة كشرط من شروط مبايعة الملك فيصل الأول ملكاً على العراق. حيث ان الشيوخ، هُم مُلاك الأراضي والقرى التي يسكنها ويزرعها الفلاحون. ويحصل المُلاك على حصة الأسد من المحاصيل، تبلغ في بعض الأحيان ثلاثة ارباعها. وكان بعض الشيوخ المحميون بقانون ملكية الأراضي الزراعية وقانون العشائر، يعاملون رعاياهم بمنتهى القسوة واللا إنسانية لتشمل الأهانة والضرب والجلد وحتى السجن في سجون الشيخ الخاصة. وبعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، تمّ ألغاء قانون العشائرالمعمول به سابقاُ. كذلك الغيت العلاقات الاقطاعية بوضع حد أعلى للملكية الزراعة وفق قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لعام 1958. حيث تمّ توزيع الاراضي المسيطر عليها على الفلاحين الصغار، ووضعت الأسس اللازمة لتشجيع الملكية الزراعية الصغيرة والجمعيات التعاونية الزراعية، مما خلق معه نوع من التوازن الأقتصادي والعدالة الأجتماعية، واعادة توزيع الثروة والدخل على شرائح واسعة من سكان الريف، وهذا ما كان مفترض به أن يكون. ولقد أدى ذلك الى تزعزع العلاقات العشائرية وتدهورها  لفترة من الزمن، إلا انها سرعان ما عادت مبنية على اسس افضل تعتمد على قدرة الشيخ على اكتساب الأحترام والولاء من ابناء عشيرتهِ، وليس كما كان في معظم الأوقات امر محتوم وضرورة إقتصادية(6). تقلبات كثيرة اربكت العلاقات العشائرية وغيرت من طبيعتها الكثير.

ويقال ان تعداد سكان الأهوار بلغ حوالي النصف مليون نسمة في الخمسينات من القرن العشرين. إلا ان هذا العدد قد اخذ بالتناقص المستمر، نتيجة لتدهور الحياة المعاشية في الأهوار بسبب الأنخفاض المستمر في مستوى المياه التي تغذي الأهوار وتنعش الحياة فيها. إضافة الى ذلك الأهمال الكلي من قبل الأدارات المتعاقبة لهذه المنطقة لتبقى دون تطور يُذكر من حيث توفر الخدمات الصحية، او المدارس المناسبة للأطفال والأحداث، او اية مشاريع تنموية تساعد اهالي المنطقة على الأستفادة من امكانياتهم المحلية وتطويرها وتسويقها بأسعار مناسبة. كذلك العلاقات الأقطاعية غير الإنسانية وغير المجزية اقتصادياً، دفعت العديد من الشباب بالبحث عن فرص عمل خارج الطوق العشائري. وفي الوقت نفسه، فإن فرص العمالة وارتفاع الأجور في المدن الرئيسة، مثل بغداد والبصرة وغيرها، قد ادى الى نزوح العديد منهم للسكن في المدن الكبيرة، حيث تشكل مدينتي الثورة (الصدر) والشعلة في بغداد مثالاً بارزاً لهجرة أهالي الجنوب وابناء الأهوار بشكل خاص للسعي وراء مصادر رزق افضل.

كوارث ومعاناة:
لقد مرت على العراق خلال الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، احداث جسام ادت الى العديد من التغيرات في البنية الأجتماعية والأقتصادية للمجتمع. وكان لجنوب العراق حصة وافرة من هذه الأحداث، حيث كان ساحة قتال مستمرة للحرب العراقية الأيرانية التي استمرت لثمان سنوات، والتي ادت الى دمار شامل للمناطق الحدودية وتلوث مزمن للبيئة المائية، حيث قام  الجيش العراقي بأجتتاث مساحات واسعة من مزارع النخيل في المنطقة الحدودية مع إيران، وقطع رؤوس ما تبقى منها، حتى لا تصبح غطاء للقوات الإيرانية. وأوقفت الري كي يغادر أغلب المزارعين مناطقهم. فتحولت بساتين النخيل التي تغطي عموم أراضي البصرة الى غابة من أعمدة خشبية، جذوع بلا رؤوس، أجساد بلا روح، أعواد بلا ثمر أو أي رجاء مستقبلي مثمر. ثم جاءت حرب الخليج الثانية وما اعقبها من احداث مؤلمة، حيث كان الجنوب خط الدفاع الأول، فأنهال الحلفاء بطائراتهم وصواريخهم بالقصف المستمر فهدموا الجسور ودمروا المولدات الكهربائية وخربوا شبكات المياه الصالحة للشرب. أعقب ذلك الأنتفاضة الشعبانية عام 1991، وما اعقبها من حملة دموية انتقامية من قبل السلطة، حيث تجاوز عدد الضحايا مئات الآلاف، اعقبها حصار اقتصادي وإهمال متعمد لأذلال سكان جنوب العراق بسبب إنتفاضتهم الشعبانية..
وبدلاً من ان يكون اكتشاف النفط في اهوار الجنوب عامل خير وبركة، فإنه كان وغيره من الأسباب والظروف التي تبلورت بعد حربي الخليج الأولى والثانية من العوامل التي ادت الى اعادة تنظيم المياه في هذا الوادي الخصيب، مما ادى الى بناء السدود والتعليات الترابية وشق القنوات والأنهر المصطنعة، وبناء شبكة واسعة من الطرق لربط المناطق ببعضها، لأغراض عسكرية وقمعية لأهالي الجنوب. كل ذلك وغيره ادى الى نزوح جماعي من المنطقة نتيجة الجفاف من جهة والظروف المحيطة الصعبة من جهة اخرى. ومن بين أخطر المشاريع على بيئة الأهوار وجنوب العراق هو مشروع النهر الثالث الذي تمّ افتتاحه في 7 كانون أول عام 1992، الذي ادى الى تجفيف الأهوار وتهجير ساكنيها، وانهاء الحياة المعتادة لآلاف السنين فيها(7). لاحظ في الصورة الجوية  للأهوار لعام 1970 وكلها خضراء، والصورة لعام 1993 بعد التجفيف وكيف تحولت معظم الأهوار الى صحراء قاحلة.

أهوار العراق 1993 بعد التجفيف، ستلايت
أهوار العراق 1993 بعد التجفيف، ستالايت
أهوار العراق 1970، ستالات
أهوار العراق 1970 قبل التجفيف، ستالايت

 

ألختــــــــــــــــــــــــــــــــــام:

ولابد لنا من ان نطالب كافة الجهات الحكومية المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر، بالحفاظ على هذه البيئة الغنية بثروتها الطبيعية وبتراثها عبر السنين، ومنح سكانها حرية العيش في ديارهم وفي بيئتهم التي اعتادوا عليها، فإن خسارة هذا التراث لا يمكن ان تعوض بأية جدوى اقتصادية لمشاريع قد رأينا الفشل الذريع للعديد منها سابقاً. كذلك فإن هناك مسؤولية إجتماعية ودينية وعشائرية وأخلاقية للحفاظ على البيئة التي دافعنا عنها وعن ساكنيها للعديد من السنوات العجاف. ولكننا للأسف الشديد نرى أن  التقارير تشير الى ان بعض أهالي المنطقة هم من يعتدون عليها حالياً، فإنهم يصيدون الأسماك وقت التكاثر، ويصطادون الطيور النادرة المهاجرة مثل طيور الفلامنكو ويستخدموها في مأكلهم، ويتصارعون بعنف على حصص المياه، ويتسلون سياحياً على حساب الحفاظ على البيئة.  والجدير بالذكر أن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وافقت في 17 تموزعام 2016 على اعتبار أهوار العراق، والمدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها مثل أور وإريدو والوركاء، ضمن لائحة التراث العالمي ومن الأقاليم المحمية دولياً، لغنى طبيعتها ولأهميتها التأريخية، مطالبةً الحكومة العراقية عدم الأسفاف في الأستخدامات السياحية التجارية، والحرص على عدم تلويثها بسبب التنقيب والأستخراجات النفطية. ولا ندري إن أسمعت فتوى اليونسكو حياً ام لا. ولنأمل ان تبقى أزهار وادي الرافدين متفتحة دائماً، وطيور الأهوار مرفرفةً في سمائه الزرقاء أبدا.

مصادر البحث:
1- الشيباني، د. هيثم، أهوار العراق، الكاردينيا، حزيران،  2016.
2- Freya Stark, Baghdad Sketches, Illinois, The Marlboro Press.1984, Page 107.
3- Gavin Maxwell, People of Reeds, Harper, New York, 1957, Page: 188-189.
4- مصطفى جمال الدين، محنة الأهوار والصمت العربي، محاضرة ألقيت في مركز أهل البيت، 8/22/1993، ص:12.
5- Ethel S. Stevens, By Tigris and Euphrates, London, Hurst& Blackett Ltd., 1923
6- الطائي، صادق، القبيلة والسياسة في العهد الملكي والجمهوري، القدس العربي، مجلة ألكترونية، 30/8/2016.
7- Sean Ryan, “Saddam Kills off Marsh Wildlife in Eco-Disaster”, The Sunday Times, London, April 17, 1994, Page 16.

محمد حسين النجفي
#أهوار_العراق       #المعدان       #جنوب_العراق      #عشائر_العراق      #تجفيف_أهوار_العراق     #محمد_حسين_النجفي
تموز 2021

2 Comments on “جنوب وأهوار العراق: خيرات ومعاناة

  1. نبذة تاريخة رائعة وتدوين حقائق جغرافية وتاريخية. سلمت يداك يا أبا عامر

  2. Dear AlNajafi,
    Thank you for choosing a subject close to the hearts of Iraqis, studying, and presenting it in an informative article that is very nice and quite detailed
    Regards
    Moaiad

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You have successfully subscribed to the newsletter

There was an error while trying to send your request. Please try again.

أفكار حُـرة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي will use the information you provide on this form to be in touch with you and to provide updates and marketing.