حلفائنا الجدد: الصين الشعبية وروسيا الأتحادية

انقسم العالم الى معسكرين بعد الحرب العالمية الثانية. الأول المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، والثاني المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي ودول اوروبا الشرقية. اما دول العالم الثالث (النامية) الغير مرتبطة بحلف وارشو او الحلف الأطلسي، فإنها وحدت نفسها بما يسمى منظمة دول عدم الانحياز التي تأسست في مدينة باندونغ، إندونيسيا في عام 1955، بقيادة نهرو وسوكارنو وعبد الناصر. إلا ان حقيقة الأمر لم تكن هذه الدول غير منحازة كلياً. فمنهم من له علاقة وثيقة بالمعسكر الشرقي مثل الهند وإندونيسيا ومصر، ومنهم من له علاقة متينة مع المعسكر الغربي مثل تركيا وإيران والسعودية.  كانت هذه الدول النامية تعتمد على حاميها في كلتا المعسكرين، حتى وإن لم يكن هناك تحالف رسمي موقع من قبل الطرفين. فحينما رفض صندوق النقد الدولي تمويل بناء السد العالي في مصر تقدم السوفييت ومولوا وبنوا السد العالي دون شروط مالية او سياسية. وحينما احتل صدام الكويت عام 1990 انبرى المعسكر الغربي بقيادة امريكا لتحرير الكويت، ولم يكن هناك من تحالف وانما تبعية سياسية.

إلا انه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجدار برلين مطلع تسعينات القرن المنصرم، أضحت الدول النامية المعتمدة على السوفييت في حمايتهم وتسليحهم وتنمية اقتصادهم، في حيرة من امرها بعد انعدام توازن القوى وانفراد قوة عظمى واحدة في السيطرة على العالم. وبذلك خضعت كل دول عدم الانحياز الى الشروط الغربية في التنمية وعدم الاصطدام مع الولايات المتحدة في سياستها الخارجية.

تغير العالم بعد صعود بوتن لدفة الحكم في روسيا الاتحادية عام 2000، ووصول شي جي بينغ عام 2012 وتطوير الحزب الشيوعي الصيني من سياساته واتباعه اقتصاد السوق. روسيا بقيادة بوتن اعادة بناء اقتصادها الوطني وابعدت المستشارين الأمريكان، وتدريجيا اخذت بتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول العالم الثالث التي كانت لها علاقات حميمة معها اثناء فترة الاتحاد السوفيتي وتطوير علاقتهم تدريجياً معهم، وسوريا خير مثال على ذلك.

هناك توافق وتحالف ضمني بين روسيا الاتحادية والصين الشعبية على منافسة المعسكر الغربي الذي لازال قائما (حتى لو كان في مرحلة الاحتضار) بالرغم من انحلال المعسكر الشرقي المنافس. هذا التوافق واضح جداً في قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن واستعمالهم لحق النقض لحماية الدول الضعيفة.

الصين الشعبية وروسيا الاتحادية خلال العشر سنوات الماضية اثبتوا قدراتهم في التعامل السياسي والاقتصادي الأفضل مع دول العالم الثالث، وبدأوا يمدون قضبان السكك الحديد في عموم افريقيا ويبنون السدود والموانئ والمصانع في عموم العالم في شروط أفضل بكثير من مساعدات صندوق النقد الدولي وبقية المؤسسات الدولية التي تكبل هذه الدول في شروط قاهرة.

وشاهدنا خلال ازمة كورونا فايروس، كيف ان الدول الغربية لم تساعد حتى بعضها البعض، بينما رأينا ان هناك دولتين فقط تقدمان المساعدات الطبية من اطباء وممرضين ومعدات ومستلزمات الى الدول الأخرى هما الصين وروسيا. فلم يترددوا بمد يد العون لإيطاليا وإيران والعراق وسوريا والفلبين والباكستان وكل دول الاتحاد الأوربي، وحتى الولايات المتحدة، بعد ان اثبتوا جدارتهم في القضاء على هذه الآفة التي ممكن ان تقرض مدن وشعوب برمتها.

ايتها الدول النامية انتبهوا الى حلفائكم الجدد الذين يمكن الاعتماد عليهم في وقت الرخاء والشدة، الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، فهم اليوم بتحالفهم الضمني يمثلون قوة عظمى مناقضة للمعسكر الغربي الذي انحلاله أصبح وشيكا لا محاله وما بريكست بريطانيا من الاتحاد الأوربي إلا الخطوة الأولى لذلك.

مقال ذو علاقة اضغط على الرابط ادناه:

The Death of Superpowers

محمد حسين النجفي
[email protected]
آذار 24، 2020

11 Comments on “حلفائنا الجدد: الصين الشعبية وروسيا الأتحادية

  1. اخي الغالي ابو عامر مااروع مقالك ملخص موجز وبشكل مكثف للأحداث السياسية والاقتصادية وما يجري في العالم آنذاك وحاليًا وكعادتك إبداعاتك مستمره فقد كنت ومازلت كالشلال يروي اللي حواليه منذ خلقت ومازلت حفظك الله لنا جميعًا وانعم عليك بالعافيه دوما وأبداً والف الف شكر لك

  2. كلام واقعي وصحيح ١٠٠٪؜. اوربا وامريكا المفروض تساعد العالم ولكننا نرى ان هذه الدول مثل ايطاليا تتلقى المساعدة القيمة من روسيا وكوبا.

    • صحيح جداً وهذا سيؤدي الى اعادة تقييم في العلاقات الدولية. شكراً لمساهمتك عزيزتي هاسميك

  3. قراءة واقعيه لما يحدث في عالمنا والاصطفاف الجديد الذي قد يحصل ما بعد وباء كرونا بعد حصول تبعيات من جراء هذا المرض وخاصة أن دول حلف الناتو تركوا حليفتهم إيطاليا لمصيرها المؤلم بسبب وباء الكرونا الذي حصد أرواح الآلاف من أبناء الشعب الإيطالي بالرغم من استغاثة وبكاء رئيس الوزراء الإيطالي لطلب المساعدة الا ان اصوات الإيطاليين لم تصل إلى اسماع حلفائهم في الناتو ولكن كان صدى استغاثتهم وصلت إلى اسماع الصين وروسيا وكوبا المحاصرة وسارعوا إلى إرسال الاطباء والمعونات الخاصة بمكافحة وباء الكورونا انه موقف انساني نبيل واممي سيسجله التاريخ بأحرف من نور ..
    تحياتي لك صديقي محمد النجفي متمنيا لك الصحه والسعادة والعمر المديد.
    فريد
    Farid Alpatty

    • عزيزي الأخ فريد
      تم اضافة مداخلتك القيمة على الوب وستظهر مع المقالة على الفيس بوك. شكراً للأضافة القيمة وعسى ان تتعلم الشعوب من خلال التجارب المريرة الصديق من العدو.
      خالص تحياتي

  4. يبدو أن تفشي فايروس كورونا المستجد قد كشف ما كان يتحدث عنه ماكرون قبل أشهر من أن حلف الناتو يحتضر مما دفع بعدد من أعضائه الدفاع عن الحلف ومن بين هؤلاء القادة كان اردوغان.. ومن الدلائل التي تشير إلى هذه الحقيقة هي استنجاد إيطاليا بأعضائه من أجل مساعدتها في التصدي لوباء كورونا المستجد الذي مزق أحشائها، إلا أن الحلف صمً أذنه عن النداءات المكررة مما دفع الإيطاليين التوجه الى الصين وروسيا وكوبا وحتى فانزويلا الذين قدموا معونات طبية ولوجستية سخية دون مقابل. والسؤال المطروح الآن هو : هل يستطيع حلف الناتو وبعد صدمة كورونا وتوجه أعضائه الكبار الاهتمام بدولهم فرادا ودون تقديم المساعدات الى حلفائهم حين احتاجوا إليها، وظهور قصور واضح في قدرة هذه الدول إن كان إقتصاديا أو تقنيا وطبيا من مواجهة وباء كورونا المستجد بينما استطاعت الصين منفردة التصدي له رغم استخدامها أساليب قاسية وشديدة لكنها مؤثرة في هزيمته في المقاطعة التي ظهر فيها وتقليل الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية الناجمة عنه، إضافة لمد يد المساعدة إلى العديد من الدول بتجهيزهم باجهزة الفحص والفلترات والأطباء والممرضين. هذا السؤال الكبير والمهم يحمل الكثير من المضامين الفكرية والاقتصادية، إذ أن الانهيار الاقتصادي الذي رافق تفشي هذا الوباء أرغم أنظمة دول الاتحاد الأوربي وحلف الناتو على ضخ تريليونات من الأموال للتخفيف من آثار الانصهار الاقتصادي الذي شل الحياة فيها، بينما صمد الاقتصاد الصيني رغم الخسائر التي أصابة شركاته العالمية، والاقتصاد الروسي هو الآخر رغم خسائره في المجال النفطي ، هذا القطاع الهام الذي انهار أيضا بفعل التنافس بين الدول المنتجة وكذلك نتيجة تفشي كورونا. باعتقادي أن الصين ستبرز القوة الاقتصادية المنتصرة من هذه المعركة التي لم يضع أحد قوانينها سوى ظهور هذا الفايروس الرهيب وتهرب حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة بسبب تناقضاته ومشاكله الداخلية من مساعدة أعضائه الذين تأثروا كثيرا من تبعات هذا الوباء. أما حلف الناتو والاتحاد الأوربي فهو ومنذ مدة يتجه نحو الانقسام وظهور دعوات للخروج منه والدليل هو خروج بريطانيا وانتقادات ماكرون. أما السؤال المهم الآخر فهو هل ستبرز في العالم قوى جديدة أو تحالفات جدية جديدة تنافس هيمنة الناتو والاتحاد الأوربي على الساحة الدولية؟ من المؤكد أن العامل الاقتصادي سيكون هو الحاسم في تبدل مواقع قطع شطرنج العلاقات الدولية، وستكون الغلبة للدول التي قدمت وتقدم المساعدات دون ضغوط وشروط للدول التي تحتاجها وتبني علاقات متكافئة ومثمرة للطرفين، ولكن سوف لن يختفي الصراع بين (العالم ما قبل كورونا) وعالم اليوم وستبقى لغة الغطرسة العسكرية الوسيلة الوحيدة لعالم ما قبل من أجل الحصول على (جزء) وليس (كل)الكعكة التي كانت تمضخها دون النظر الى مصالح الآخرين .. لذا فإن العالم سيبقى مهدداً عسكريًا نتيجة لعدم وجود ضوابط حاليًا للحد من استخدام الأسلحة النووية والتهديد بها، والى حين ظهور مثل هذه الضوابط والاتفاقيات فسيبقى الناتو محافظا على أنيابه النووية العدوانية رغم تفشي النخر فيها. ولكن لنقترب مما ذكره الصديق العزيز محمد النجفي في مقالته، من أن العالم انقسم بين المعسكرين الناتو ووارشو ، وهؤلاء الذين شكلوا حركة عدم الانحياز حاولوا الاستفادة من المعسكرين لكنهم في نهاية المطاف انحازوا إلى المعسكر الأقوى ( الناتو) لكن الاتحاد السوفييتي حينها لم يتخل عن ما تبقى في حركة التحرر الوطني العربية والعالمية رغم فداحة المساعدات التي كان يقدمها والتي كانت واحدة من الأسباب التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه. اليوم وبعد وضوح الصورة المشرقة للدور الروسي والصيني بالتعامل مع الأزمات التي تحيط بكوكبنا (رغم النظر إليها من مصالحها الذاتية أيضا) نجد أن العالم العربي وخاصة الخليجي منه ما زال ورغم الوضوح منحاز تمامًا للدعاية الأمريكية نتيجة تواجد القواعد الأمريكية على أراضيه وتهديدها الضمني لاستقراره ولا يمكنه التخلص من هذه الأغلال بسهولة.. أما الدول العربية الأخرى الأكثر استقلالية فقد تجد طريقها إن استخدم حكامها وشعوبها بوصلة واضحة للوصول الى بر الاستقلال الاقتصادي والسياسي عبر بوابة التحالف مع التنين الصيني والدب الروسي. ما سيظهر جليًا في المستقبل وما بعد فايروس كورونا المستجد، هو عالم مختلف في علاقاته الاقتصادية والسياسية، عالم لم تعد الولايات المتحدة القطب الوحيد له، عالم متعدد الأقطاب فعلا ومتعدد المصالح ، عالم ينظر بجدية وتعاون إنساني مع ما يهدد كوكبنا ويجد الحلول المشتركة لدرء الخطر عنه.
    نجاح يوسف

    • الأخ العزيزي ابو فرات إضافتك للمقالة هي مقالة بحد ذاتها. ارجوا منك نشرها في التواصل الاجتماعي والصحف الرقمية. شكراً مرة أخرى وخالص الود

  5. واللافت أن انشغال أميركا بروسيا والصيني يحاكي اهتمامها بالكتلة الصينية السوفييتية، الذي انتهى في الستينيات بعد الأيديولوجية التي تفجرت بين العاصمتين الشيوعيتين (موسكو وبكين) والتي تحولت إلى حرب حدودية بين البلدين عام 1969. واليوم، دخلت روسيا والصين العقد الثالث من علاقة توطدت في فترة ما بعد الحرب الباردة، بل أخذت تراودهما فكرة إنشاء تحالف استراتيجي جديد. فهل هذا التقارب هو مجرد «زواج مصلحة» أم نموذج جديد لسلطوية «أوراسية» من أجل تحدي واشنطن؟ وهل هو نتيجة لتدهور العلاقات الروسية الأميركية والصينية الأميركية، أم أنه يعود إلى التقاء حقيقي للمصالح بعد انتهاء الحرب الباردة وخفوت الخلافات .الفكرية داخل المعسكر الشيوعي .

    • في جميع الحالات اخي سامي انه ينفع الدول النامية التي عليها ان تراجع حسابات تحالفاتها الأستراتيجية. اما بالنسبة لتحالف روسيا والصين، فإن انعدام الصراع العقائدي بين البلدين كما تفضلت سيقود الى تكامل اقتصادي ايضا على دول العالم الثالث الغير نامية ان تستفاد منه.
      شكراً لأضافتك. تحياتي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You have successfully subscribed to the newsletter

There was an error while trying to send your request. Please try again.

أفكار حُـرة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي will use the information you provide on this form to be in touch with you and to provide updates and marketing.