لعبة الأستفتاء

ماذا ستكون نتائج استفتاء محافظة البصرة اذا قررت الأنفصال؟

ان السلطة المؤثرة على الجماهير في الدول التي تحكمها دكتاتوريات هي الحاكم الفرد نسفه. يقابل ذلك المعارضة له سواء أكانت تلك المعارضة قوية او ضعيفة ، سياسية مدنية ام ثورية مسلحة. اما في الدول التي يتحكم فيها دستور وتشريع وانتخابات وبرلمان، فإن مصادر التأثير تكون متنوعة ومتشعبة تعتمد على معلومات وبرامج ونظم وبدائل اقتصادية واجتماعية. النموذج العراقي شأنه شأن معظم الدول النامية فإنها مجتمعات غير ديكتاتورية وغير ديمقراطية، وانما كيان هش من دستور وقوانين يصممها الفاسدين اداريا ومالياً لحماية مصالحهم وفي معظم الأحيان مربكة للجماهير ليس البسيطة منها فقط وانما حتى لمثقفيها. ان ذكاء ومكر المتمكنين سواء اكانوا في السلطة او جزء من السلطة اوخارج السلطة ومرتبط بها  بعلاقات مالية او دينية او قومية، سوف يهيمن على المواطن غير المتمكن ثقافيا وغير المطلع سياسيا وغير المتتبع باستمرار للأحداث.  وبالتالي فإن هذا المواطن غير قادر على الفرز بين شكل ومضمون الشعارات. هذا المواطن سوف ينساق نحو شعارات طائفية أو قومية عصبية أو مناطقية أو عشائرية. وكلها صراعات وهمية كاذبة لا تؤدي الى اَي نوع من من التطور أو التقدم . الا انها اسهل وسيلة وابسطها وأقلها كلفة لتحريك الجماهير. لماذا؟ لانها لاتتطلب دراسة ولا تاهيل ولا تثقيف.

فما حدث في استفتاء بريكست في المملكة المتحدة وصوت الناخبين في الأستفتاء لصالح  الخروج من الأتحاد الأوربي، وكذلك حدث نفس الشئ لاقليم كاتالينا في اسبانيا لم يكن في الحالتين استفتاء سياسي اقتصادي اجتماعي اوحتى سيادي. انه استفتاء طغت عليه الصفة العاطفية الأقليمية وحتى الأنانية الضيقة. وهذا بالضبط ما حدث  حينما طرح على الشعب الكردي مسألة شعورية، مثل هل تود ان تستقل كردستان عن العراق؟ الجواب بنعم ليس جريمة وإنما طرحه على المواطن الكردي فيه الكثير من الخداع. لماذا ؟ لانه لم يرافق هذا الطرح اي دراسة للشعب الكردي عن فوائد الاستقلال وعن مخاطر الانفصال ؟ هل قدمت دراسة جدوى اقتصادية للانفصال ؟ هل سيؤدي الأستقلال حماية افضل لحقوق الأنسان الكردي؟  هل ستتطور الموؤسسات المدنية نحو الأفضل؟ ………………………….
لو نتصور ان يطرح نفس الاستفتاء على أهالي محافظة البصرة.  وايضاً دون دراسات مقارنة ماذا تتصورون النتائج ستكون؟ نعم هناك احتمال كبير من ان الغالبية ستصوت لتحويل البصرة من محافظة مهملة يسودها الفساد واللاأمن رغم غنى ثروتها الطبيعة وموقعها الاستراتيجي، الى اقليم شبه مستقل أو حتى الى دولة مستقلة. وقد يعتبر البعض ذلك خيانة. ولكن من هو الخائن؟ هل هو السياسي الذي طرح المشروع؟ أم المواطن البسيط ذو الطموحات العفوية العاطفية المبنية على النزعة البدوية العشائرية المناطقية المُطعمة بالطائفية. والتي من السهل على السياسيين الفاسدين تمريرها.

إذن المسؤولية تقع على القادة السياسيين بالدرجة الثانية. اما بالدرجة الاولى فإنها تقع على مسؤولية الدولة التي سمحت أو تسمح بانتشار الفكر التفكيكي للمجتمع مثل الطائفية والمحاصصة واللامركزية التسيبية التي تنعدم فيها القدرة على الرقابة والمحاسبة والألتزام الوطني. ان السياسيين العراقيين قد نجحوا نجاحاً باهراً في السيطرة على مشاعر وعقول الجماهير واشغالهم بممارسات وشعارات دينية وطائفية وقومية عصبية. وبالتالي ابتعدوا كثيراً عن النشاط المطلبي والحقوق والأمتيازات الخدمية والرقابة الشعبية على سياسي هذا العصر. فالفقير ابن الجنوب الذي لا يستطيع الحصول على ابسط مقومات العلاج الطبي لا يشكوا من ذلك. لماذا؟ لأنه منغمس ومشغول وسعيد بحرية زيارة الأئمة. كذلك الحال في المناطق الغربية التي تفتقد لأبسط سمات المجتمع المدني المتقدم مثل الأمن والأمان، إلا انهم  ثاروا ليس لتصحيح الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية وانما للحصول على مكاسب طائفية عشائرية مناطقة لا يستفيد منها سواء اقطاعها السياسي. وكذلك الأكراد تناسوا محاسبة سلطة كردستان التي استحوذت على موارد نفط الشمال ولم تدفع رواتب موظفيها. ومع ذلك ايد الجميع مشروع الأنفصال الذي كان سيقوي ويثري الأغوات الأكراد.

الحل بجميع الحالات ليس سهلا ومتطلبات إصلاح البيئة السياسية اصعب من متطلبات البيئة الإدارية الفاسدة. ومن اهم الحلول كما أراها حاليا بالنسبة للوضع الحالي للعراق هي:

تخفيف دور الأدارة اللامركزية وتقوية الدور المركزي للدولة مثل إلغاء مجالس المحافظات ولو لخمس سنوات قادمة.
عدم السماح لتشكيل اَي حزب سياسي أو قائمة انتخابية على أساس ديني أو طائفيي أو قومي.
ان يكون لكل المنظمات الاساسية عقيدة وطنية لكل العراق وبرنامج سياسي اقتصادي اجتماعي.
ان لا يرتبط اَي حزب او تجمع او كيان او شخص عراقي باي جهة اجنبية سواء بأحلاف اومساعدات ماليأ وان يتم الفصل الكامل ما بين الدين والدولة.
ان لا يسمح لأي دور عشائري داخل المنظومة الإدارية للدولة. العشائرية لها دور في المناطق التي لا تتواجد بها مؤسسات الدولة فقط كي لا تصبح دولة داخل الدولة.
ان تمنح الصحافة الحرية الكاملة لأستكشاف الحقائق وكشفها للجمهور دون تسيسها، ومحاسبة الصحافة التي تؤجج التمزق الاجتماعي او التي تسيس المعلومات.

محمد حسين النجفي

7 كانون اول 2017

[email protected]

mhalnajafi.org

4 Comments on “لعبة الأستفتاء

  1. We can continue dreaming and wishing and keep adding to our bucket list!
    I went to England to study at age 16 that opened my eyes to how the western world lives, thinks and advances by accepting Change. This came about after they had Civil wars and minimizing the effect of religion including in the US. We have not gone through Civil wars until now, that is few hundreds late and yet religion is still strong.
    To move forward now I believe we need a Maoist type Cultural Revolution (not Communism) so look for a Mao amongst us!!!

  2. شكراً استاذ مازن وفعلاً في النهاية النتائج يسيطر عليها المهمنينين على العملية السياسية. فإن كانوا فاسدين فسد كل شئ. تحياتي وامتناني لتعقيبكم

  3. الموضوع شيق و من وحي الحياة اليومية العراقية …. تحليل التجارب أمثال البريكست و كاتلونيا و كردستان تضفي واقعا من تجارب الدول الاخرى …. هذا الموضوع يرتبط ايضا بالفساد و المصالح الحزبية و الشخصية … تحياتنا و سلامنا لكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You have successfully subscribed to the newsletter

There was an error while trying to send your request. Please try again.

أفكار حُـرة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي will use the information you provide on this form to be in touch with you and to provide updates and marketing.