مخالفة مرورية في شارع الرشيد

من بين اهم شوارع بغداد بالنسبة لي كان شارع الكرادة داخل حيث بيتنا واهلنا واصدقائنا، وشارع الرشيد قلب بغداد النابض ومركزها التجاري وحيث فيه تجارتنا في سوق الشورجة العريق،  وشارع ابي نؤآس حيث كان متنفسنا ومنتزهنا وفيه نقضي امسياتنا وليالينا التي لازالت ذكراها خالدة في نفوسنا. وفي يوم ما حدث ما حدث في اهم شوارع العاصمة بغداد حين ذاك.  ففي العام الدراسي 1977/ 1978 كنت مدرساً في الجامعة المستنصرية وكانت اختي عالية طالبة في دبلوم السياحة صباحي وكان اخي رعد في الصف الثالث ادارة واقتصاد قسم الدراسات المسائية. وكان روتيننا اليومي ان نخرج ثلاثتنا سوية من الدار ونتجه لأداء اعمالنا حيث استخدم شارع ابي نؤآس دخولاً الى شارع الرشيد كي اوصل اخي الى سوق الشورجة حيث يمارس عمله ثم نتجه انا واختي الى المستنصرية هي كطالبة جامعية وانا كأستاذ فيها.

 وحدث في صباحات احد الأيام ان توقف باص الامانة الأحمر ذو الطابقين في شارع الرشيد امامي بطريقة معوجة. ولما كان السير خلفي مزدحم وبدأت الهورنات تضرب للسماء قررت تجاوز باص الأمانة. إلا انه تطلب ذلك عبوري على الخط الوسطي الأصفر في منتصف الشارع. وبعبارة اخرى سجلت مخالفة مرورية على نفسي. ولحسن حظي كان هناك شرطي مرور وسط الشارع ينتظرني، لم اراه لأن الباص كان قد حجب الرؤيا. المهم طلب مني شرطي المرور الركن على جنب وتوقفت فعلاً وكان ذلك في منطقة ساحة الغريري ( ساحة الزعيم عبد الكريم قاسم حالياً) قرب عكد العمار المعروف. حضرت اجازة السوق بيدي كي اناولها لشرطي المرور لعلمي اني فعلاً ارتكبت مخالفة مرورية.

 وصل الينا الشرطي وكان شاباً اصغر مني بما لا يقل عن عشر سنوات آن ذاك. وابتدأ كلامه بالتهجم من انكم مستهترون لا تبالون في القوانيين. قلت له اخي اعتذر عن المخالفة وهذه اجازة السوق تحت تصرفك. وهنا انزعج اكثر وقال لا هذا لا يكفي ” انتوا ينراد واحد ينزعلكم النطاق* ويوكعلكم دك” . بدأت اختي ترتجف وتبكي، طلب منه اخي ان يعاملني بأحترام بأعتباري استاذ جامعي، إلا ان الشرطي ازداد غياً وتلوثت الفاظه اكثر. تهستر اخي رعد ونزل من السيارة متحدياً الشرطي قائلاً له لا يحق لك ان تكلمنا بهذا الأسلوب. نزلت من السيارة كي افرق بين الأثنين واضطررت ان ازجر بأخي بشدة لمعرفتي خطورة تهمة الأعتداء على الشرطي اثناء اداء واجبه. وبينما نحن نجادل الشرطي تجمع المارة بشكل يجلب النظر واذا بسيارة بك أب حمراء تتوقف، سأل احدهم الشرطي ( هاي شكو) اجاب الشرطي سيدي هؤلاء شتموا الحكومة! كان وقع ذلك كالصاعقة، طالبونا بالصعود على ظهر البك أب كي يأخذونا لا ندري الى اين؟  ولم ينقذنا سوى تطوع بعض الواقفين لتبيان الأمر لهم. طبعاً هذه كانت سيارة امن او مخابرات. واخيراً صاح احد افراد البك اب بالشرطي: اصعد وياهم وروح للنقطة (نقطة شرطة المرور في ساحة الوثبة). اراد الشرطي ان يصعد في الخلف جنب اختي، واذا بأخي يقول له متصعد ويانا ويرصد الباب على يده فصرخ الشرطي وسال بعض الدم من يده. لف يده بالمنديل وصعد في المقعد الأمامي، وذهبنا الى النقطة.

نزل الشرطي قبلنا متوجهاً الى النقطة التي هي عبارة عن كرسيين وطاولة صغيرة وضباط شرطة اثنين عقيد وعميد. بدأ الشرطي يحدثهم بقصته الملفقة، ولحسن الحظ لمحت ان احد الضباط كان العقيد قيس العزاوي وهو من الكرادة الشرقية محلة البوجمعة وكان من الدورة التي قبلي بسنة في المتوسطة الشرقية. كنت متأكداً من انه سوف يميزني . جاء الشرطي وطالبنا بالذهاب للضابط معه. قلت لأخي لا تخرج من السيارة ابداً. ابتدأ العقيد قيس بسؤآل الشرطي: اولست خريج دورة الشرطة السياحية؟ قال نعم. أولست انت الذي كان لديه مشكلة مماثلة قبل يومين؟ قال نعم. سألني العميد ماالذي حدث؟ سردت القصة له كما هي. قال لي هل تسكن في عكد العمار؟  قلت لا انا كرادي. قال هل اخوك الذي اعتدى بالسكين على الشرطي؟ اجبنه اخي لا يملك السكين وانما الموضوع حدث عفواً حينما اغلق باب السيارة. قال ابعث لي اخاك. قلت سيدي انا السائق واخي ليس طرف، قال يجب ان اتحدث اليه. ذهبت لأخي واوصيته ان يتكلم بأدب وان لا يطول لسانه ابداً. مع كل التوصية خربط اخي ولكن العقيد قيس حسم الموضوع وقال غرامتك خمسة دنانير. دفعتها وانا المنون. شكراً لشباب عكد العمار وشكراً للعقيد قيس العزاوي وإلا لتطور الأمر بما لا تحسد عقباه.

وحينما استرجع ذاكرة هذا الحدث اسأل نفسي، ما هي مشكلة هذا الشرطي؟ لماذا يريد ان يضربنا بالنطاق؟ لماذا لم يحترم شبابنا؟ ولماذا يتجاسر علينا امام اختنا؟ حدث هذا في زمن يعتبره الكثيرون زمن الأمن والأمان! اذا كان هذا ما يحدث في زمن الأمن والأمان في قلب العاصمة بغداد وفي شارع الرشيد، فما الذي كان يحدث وراء الكواليس؟ والأهم هو ما الذي يحدث الآن في زمن الفساد والفوضى والأنفلات والحرس الخاص والمرافقين والسلاح المدجج الذي لا يعد ولا يحصى؟

محمد حسين النجفي

mhalnajafi.org

آب 2017

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • النطاق هو الحزام العريض الذي يلبسه الجنود والشرطة*

#شارع_الرشيد#      #العراق     #محمد_حسين_النجفي، #الشورجة        #الجامعة_المستنصرية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You have successfully subscribed to the newsletter

There was an error while trying to send your request. Please try again.

أفكار حُـرة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي will use the information you provide on this form to be in touch with you and to provide updates and marketing.