انا وجدي في سينما النجوم

كان جدي ابا والدي الحاج علي اصغر من الطباخين الماهرين المعروفين في مدينة النجف الأشرف في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وكان طباخاً لموكب عزاء الترك في النجف لأن جذوره ترجع الى منطقة قزوين شمال شرق إيران، لذلك كان يتحدث اللغة التركية والأذربيجانية بطلاقة اضافة الى اللغة الفارسية والعربية. وكان ايضاً يملك مطعماً للكباب في احد الأزقة المتفرعة من السوق الكبير وهو السوق المسقف الكبير الذي يصل ما بين ميدان المدينة الرئيسي والعتبة العلوية لأمير المؤمنين (ع). ولذلك لُقب جدي في النجف بأسم (حجي علي كبابي). في موسم الحج كان جدي  طباخ حملات الحج التي كانت تبدأ رحلتها من النجف الأشرف الى مكة المكرمة عبر طريق عرعر البري الصحراوي. وكان عمي جعفر من السواق الماهرين الذين يعرفون الطريق الصحراوي لمكة المكرمة الذي معظمه غير مُعلم وغير مُبلط آن ذاك. وعليه كان عمي مالك سيارة النيرن التي يتم صناعتها بأكملها فيما عدا مقصورة السائق والماكنة والشاصي في ورشات النجف. اما مقصورة الركاب والكراسي والأنارة وكل المرافق الأخرى فكانت تصنع في النجف من قبل عمال ماهرين بضمنهم ابناء عمي جعفر ومنهم جبوري وعبودي ومكي الذين عملوا في مصنع عائلة ابو النواعير (المعروفة بصناعة بوديات دك النجف).

كان جدي يأتي الى بغداد لزيارتنا بين الحين والآخر. وكان يقضي معظم وقته معنا نحن ابناء ابنه علي. كان قصير القامة، بشوشاً في معظم الأحيان يرتدي الصاية والكشيدة ( خطاء الرأس الأسطواني الأحمر الذي يلف حوله قماش اخضر اذا الشخص سيداً او قماش ابيض ذو نقش اصفر عليه اذا كان من العامة). وهذه ليست ملابس تدل على ان الشخص من رجال الدين، حيث ان رجل الدين يلبس عِمامة لونها اسود ان كان سيداً ولونها ابيض ان كان من العامة ويسمى شيخ.

وحينما كان يزورنا في الصيف كان يصطحبني معه الى سوق الشورجة وهي مركز تجارة والدي وخوالي. وعند العودة نأخذ باص الأمانة الى الباب الشرقي ومنه الى الكرادة داخل باص رقم (12) الى شارع الهندي حيث كان مسكننا آن ذاك. واحياناً كان يأخذي لنطل على ابي نؤآس وبعض الأحيانً نتمشى في شارع السعدون الذي كان مزدهراً آن ذاك. ولابد من الذكر ان عرصات الهندية في ذلك الوقت كانت عبارة عن مزارع للخس. وكان يقول لي: جدو هل تريد ان تذهب الى بستان الخس؟

ولكن في احد الأيام قال لي: جدو اليوم آخذك للسينما. طبعاً كان عمري في حدود العشر سنوات ولم اشاهد السينما بعد. فرحت كثيراً. ومشينا من ساحة الملكة عالية (التحرير حالياً) بأتجاة حديقة غازي (حديقة الأمة حالياً) الى سينما النجوم الشتوي. وعادة هناك اربعة اعلانات تعرض صور متنوعة ومثيرة للأفلام. الأعلان الأول يسمى (يعرض حالياً) والثاني (الأسبوع القادم) والثالث (قريباً جداً) والرابع (قريباً). وقفنا انا وجدي امام اللوحة الأولى وبها العديد من الصور وبدأ جدي يحكي لي القصة او الفلم من خلال الصور. يحكي القصة بتفاصيل مثيرة يستلهمها من الصور. ومعظم الأفلام آن ذاك كانت افلام كاوبوي او افلام مصرية وبالتالي هناك البطل والشرير والمرأة التي يتصارعون من اجلها. كان جدي يتكلم بحماس ويشرح الأحداث بعربيته المطعمة باللكنة التركية واللهجة النجفية ذات الطعم الجميل الخاص بها. وبين الآونة والأخرى يسالني: هل فهمت الفلم؟  واقول له نعم جدو. وبعد ان انهى الفلم الأول (يعرض حالياً) سألني ما اذا كان قد اعجبني الفلم؟ قلت نعم جدو. ثم سألني هل تريد ان تشاهد فلماً آخر؟ قلت نعم جدو. ثم بدأ يحكي لي القصة من وحي صور (الأسبوع القادم). ثم حكى لي الفلم الثالث والرابع دون ان نشتري بطاقة الدخول او ندخل صالة العرض. كان يوماً جميلاً شاهدت فيه اربعة افلام سينمائية مع جدي لازالت ذكراها امام عيني.

 طبعاً بعد ذلك علمت ان جدي اخذني الى السينما على طريقته الخاصة. وانه ربما لديه اسبابه الخاصة، ربما التدين او كلفة الدخول او اي سبب آخر. بالنسبة لي كانت تجربة خاصة وجميلة ولازلت استمتع بتذكرها لحد الآن.  تمرض جدي في عام 1961 حيث استقدمه ابي للعلاج في بيتنا في شارع الهندي، في الكرادة الشرقية، بغداد. كان الدكتور وهو من الطائفة اليهودية يعالجه في بيتنا وتعتني به امي وعمتي مريم (ام صالح) حيث كانت تعيش وابنها صالح في وقتها معنا ايضاً.  وُلد جدي في بداية القرن العشرين وتوفى في شهر رمضان من عام  1961 وللأسف لا توجد لدينا اية صورة له.

#محمد حسين النجفي

1 آب 2018

امن الموارد المائية: مشكلة عراقية ليست إلا

هذا ماكتبه الدكتور حسن الجنابي وزير الموارد المائية الحالي عام 1995:

 “إن البيئة العراقية بكل ما تعنيه من انسان وحيوان وزرع وطبيعة ستعاني من تدهور مريع ما لم تتخذ اجراءآت وقائية وادارية وتنفيذية وتشريعية فيما يخص مياه العراق” *

إن مشكلة المياه وتقاسمها بين الدول وشحتها وتوزيعها مشكلة ابدية، ولكننا نستطيع القول انها لاتقل عن مئة عام في التاريخ المعاصر. وهي بالتالي ابتدأت قبل ما تحدث عنها وتوقع هوائلها الدكتور حسن الجنابي وغيره من خبراء الموارد المائية من العراقيين والدوليين. والسبب في اعتماد المصدر اعلاه لأن الجنابي هو وزير الموارد المائية العراقي حالياً ومنذ عدة سنيين، وبالتالي فإنه في فوهة المدفع سواء اراد ذلك ام ابى.

وانا كغيري ممن ليسوا خبراء في هذا المجال نود المشاركة في بحث المشكلة وطرح الحلول التي نراها مناسبة كمواطنين. والأبعد من ذلك تحديد مصدر القصور وتحميل المسوؤلين تبعات قصورهم بضمنهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزيره الجنابي. طلبي الأول من السيد الوزير هو اعادة قراءة ماكتبه عن مشكلة المياه في العراق، وخاصة ماكتبه في الثقافة الجديدة  في اعدادها 248، 261، 262، 264. في منتصف التسعينات من القرن الماضي حينما كان ناشطاً في المعارضة العراقية في المهجر. وطلبي الثاني وهو من اوائل العائديين بعد 2003 وشارك في عدة مناصب ذات علاقة بالري والمياه على المستوى القطري والعالمي ولمدة خمسة عشر عاماً: هل  اصبحت جزءاً من السلطة الحالية بمعناها التوافقية المحاصصية الأتكالية؟  وحين تفوح  رائحة المشاكل الجسام ترميها على من كان قبلك  وعلى دول الجوار، ام انك مازلت التكنوقراط الملتزم ذو الروح الوطنية كما عرفناك سابقاً؟

وبعد هذه المقدمة دعني اقدم ما عندي لك وللقارئ العراقي المهتم وسأكتب برؤس اقلام كي لا يطول الحديث:

  • ان مشكلة المياه العراقية هي مشكلة عراقية بحته على الرغم من ارتباطها بدول الجوار
  • ان دول الجوار تخدم نفسها وستظل كذلك. وبما ان العراق هو نهاية دجلة والفرات فإنه كان وسيبقى الحلقة الضعيفة في المعادلة
  • ان العراق لديه ما يكفي من سعة سدود ونواظم وخزانات وهي تحتاج الى تجديد وصيانة ولا نحتاج الى بناء الجديد منها
  • ان السدود والخزانات فارغة من اي احتياطي. لماذا؟ علماً ان تدفق المياه من مصباتها وقسم جيد منها من داخل الحدود العراقية كان جيداً وصالحاً لحجز جزء منه كأحتياط
  • لماذا تحجب المياه من مناطق الوسط والجنوب، كي تذهب لشط العرب ومنه الى الخليج؟
  • منذ توليك الوزارة هل اعدت النظر في كميات توزيع المياه على المحافظات والمزارع لتكون توزيعا عادلاً ام ان حيتان السياسيين في المنطقة الخضراء مازالوا يسيطرون عليها

مقترحات وحلول قصيرة الأمد:

  • تعيين لجنة طوارئ عليا برأسة رئيس الوزراء وبنائبية وزيرالموارد المائية لتتضمن مستوى رفيع من خبراء الزراعة والري
  • تتضمن اللجنة العليا مستوى رفيع من القوات العسكرية الجيش والشرطة لتوزيعهما لحماية السدود والخزانات، وكذلك منع الأستحواذ بالقوة من قبل العشائر ذات الجاه والمال والنفوذ على المياه
  • اعطاء اولية المياه للموارد الزراعية ذات الأنتاج الدائمي مثل بساتين الفواكه والحمضيات
  • من الخطأ منع زراعة الرز وحجب المياه عن احواض الأسماك لأنهما مصدر استهلاكي اساسي للمائدة العراقية حتى وان كان يستهلك مياه كثيرة
  • تخصيص ميزانية سخية لتعويض المزارعين الصغار من الأضرار الناجمة لتخفيض المياه

مقترحات وحلول متوسطة الأمد:

  • استمرار المفاوضات مع دول الجوار بالأعتماد على علاقات حسن الجوار والمصالح المشتركة والقوانيين الدولية
  • تخصيص ميزانية استثمارية لترشيد الأستهلاك والهدر المائي نتيجة اسلوب السقي البدائي وتحوليه الى اسلوب سقي يعتمد على اسلوب التنقيط المدفون والرش الموجه والتغطية البلاستيكية من الحرارة
  • تعطى اولية الدعم المالي لترشيد الأستهلاك للمزاعين الصغار والمتوسطين الذين هم الأكثر تضرراً
  • لابد من حجز كميات ولو قليلة من المياه لرفع مستوى الأحتياط في السدود والخزانات بشكل دائمي ومستمر ولو على حساب التضحية الآنية
  • الصيانة المستمرة والرقابة الشديدة على مستوى أداءالسدود والأجهزة والموظفين ذو العلاقة
  • ترشيد الأستهلاك المائي السكني والصناعي بما يضمن ايصال المياه النقية للبيوت وبأسعار بدايتها مناسب، إلا ان الأسعار تصاعدية اذا تجاوز استهلاك العائلة ليصل الى مستوى الهدر

مقترحات وحلول طويلة الأمد:

  • استمرار المفاوضات مع دول الجوار بالأعتماد على علاقات حسن الجوار وضمانات القوانيين والمنظمات الدولية
  • بناء نواظم وسدود تعلية المياه في الجنوب وعلى شط العرب لمنع تسرب مياه الرافدين الى الخليج ومنع دخول مياه الخليج الى شط العرب
  • الأستمرار في الأستثمار في تطوير تقنية السقي الآلي الحديث
  • تشجيع البحوث والدراسات عن طريق جامعات القطر ورسائل الماجستير والدكتوراه في البحث في امور الري والزراعة المناسبة لمناخ العراق
  • البحث عن امكانية تحلية مياه بحيرتي الحبانية والرزازة وجعل مياههما صالحتين للزراعة وبيئة صالحة لتكاثر انواع معينة من الأسماك

محمد حسين النجفي                      #ازمة_المياه_في_العراق      #د.حسن_الجنابي

www.mhalnajafi.org

______________________________________________________________________________________________________________________________

* د. حسن الجنابي، المياه الأقليمية: صراع ام تعاون، الثقافة الجديدة العدد (264)، تموز 1995، ص 61.

الأمانة العلمية بين اروقة المستنصرية

” قلت له: دكتور كيف ستشارك في التأليف والكتاب مؤلف ونسخة منه مع رئيس القسم؟ هل تقصد ان اضع اسمك على الغلاف فقط؟ قال: نعم هذا يكفي. قلت: وهل سيكون اسمي هو الأول بأعتباري المؤلف الحقيقي ام اسمك الأول بأعتبارك دكتور؟ قال: لا طبعاً اسمي هو الأول. قلت: ولكنك لم تُدرس ادارة التسويق سابقاً. قال: نعم ولكني اريد التجديد!  قلت: واذا رفضت قال فإن كتابك سوف لا يرى النور في الجامعة.”

المقالة:

افتتحت جامعة بغداد قسماً للدراسات العليا في كلية الأدارة والأقتصاد عام 1972. وكان الأب الروحي لدراسة ماجستير ادارة الأعمال هو الأستاذ القديرالدكتور خليل الشماع خريج جامعة كاليفونيا- بيركلي، الولايات المتحدة. وكنت في انتظار هذه الفرصة لرغبتي الشديدة في اكمال دراسة الماجستير في ادارة الأعمال. قدمت مع مجموعة كبيرة من المتقدمين. ورغم ان تسلسلي كان السادس على دفعتي، إلا انني قُبلت كاحتياط لشدة المنافسة. لقد كان الدكتور الشماع طموحاً جداً، لذلك كان البرنامج الذي اعده في حقيقة الأمر ما هو إلا برنامج الدكتوراه لجامعة بيركلي. الكتب امريكية والمصادر متعددة واللغة انكليزية، مما ادى الى الأنسحاب الفوري للعديد من المقبولين والذي بدوره اتاح الفرصة لأستدعاء الأحتياط وانا واحد منهم بعد اسبوعين. ولذلك لم يتخرج من اصل ثلاثين سوى عشرة طلاب فقط.

مجموعة من زملاء اساتذة قسم الأدارة في حفل حفل توديع الزميل محمد العزاوي في نادي العلوية لأكمال الدكتوراه
مع الزملاء من اليمين عبد الستار فاضل وسكرتيرة قسم الأدارة هاسميك وعبد المنعم الربيعي وانا في لجنة المناهج عام 1978
مجموعة من اساتذة قسم الأدارة في نادي العلوية لتوديع الزميل محمد العزاوي لاكمال الدكتوراه 1978

وحالما تخرجنا عام 1975 قررت الجامعة المستنصرية توظيف ملاك تدريسي دائم والأستغناء عن المحاضرين الذين يعملون في جامعة بغداد او في دوائر الدولة. وكانت هذه فرصة لنا ان نتعين دون عناء اوتزكية حزبية. قدمنا الطلب مباشرة الى رئيس قسم الأدارة الأستاذ المحترم جداً محمد طاهر الشاوي (وهو خال د. سلطان الشاوي رئيس الجامعة المستنصرية آن ذاك) الذي رحب بنا واحال الطلب بعد الموافقة عليه للعميد الأستاذ الكفوء سليم ذياب السعدي والذي رحب بنا بحرارة حيث كان استاذنا في الكلية. وهكذا تعينا انا وحمزة الشمخي وعاملة محسن ناجي وماجدة العطية وهناء خيري بدرجة مدرس مساعد ولم يكن اي منا بعثياً وكان معظمنا ذو ميول يسارية وليبرالية.  ثم التحق بنا الزميل محمد عبد الوهاب العزاوي بعد ان انهى الخدمة العسكرية في السنة التالية. وكان معظم الملاك التدريسي من الأخوة المصريين المتعاقدين سنوياً وكانوا والحق يقال يبذلون قصارى جهدهم علمياً وتعليماً مع قصور واضح في الأنضباط والأدارة الصفية.

كانت المواد التي تم الأتفاق مع القسم ان ادرسها هي ادارة ألاعمال للصف الأول مسائي وادارة التسويق للصف الثاني صباحي. يشاركني زميل مصري روؤف وصفي لتدريس التسويق مسائي والزميلة عاملة لتدريس ادارة الأعمال صباحي. كان الكتاب المقرر لأدارة الأعمال للأستاذ نعمة الشكرجي متوفراً لدى القسم، ولكن كتاب التسويق للأستاذ سلمان المغازجي غير متوفر. عليه قررنا انا والزميل روؤف وصفي اعداد ملازم للمادة وفق المنهج المقرر. وتقاسمنا الفصول وانتهت السنة الدراسية بنجاح تام. ولسبب غير معقول لم يُجدد عقد زميلي روؤف وصفي للسنة القادمة. وبالتالي كان واضحاً من انني سوف ادرس مادة التسويق صباحاً ومساءاً. وللأمانة العلمية كان لزاماًعليّ ان اعيد كتابة الفصول التي كانت من حصة زميلي. وهنا جائتني الفكرة وهي بدلاً من اعداد ملازم لا تليق بالمستوى الجامعي، لماذا لا اسهر ليل نهار طيلة شهري العطلة الصيفية واقوم بتأليف كتاب لمادة ادارة التسويق لأسد فراغاً واغني المكتبة وانوع بها مصادرنا بدلاً من الأعتماد على مصدر واحد لأستاذنا  الجليل سلمان المغازجي. كانت علاقتي بالدكتور فالح الساعاتي مدرس مادة ادارة الأنتاج جيدة جداً وكان قد اعد ملازم لطلبته وقرر تحويلها الى كتاب ايضاً. وقضينا العطلة الصيفية معاً في مكتبة الجامعة المستنصرية نكتب ونؤلف ونأخذ المسودات بخط يدنا فصل فصل الى عباس كاتب الطابعة الذي يعمل صباحاً في الجامعة ومساءاً في مكتب خاص لطبعه على الآلة الطابعة. وكانت ايام انتاجية متعبة، ولكنها جميلة لأننا كنا نحاول ان نقدم شئ ما لخدمة لطلبتنا اكاديمياً.

وكان من بين الذين انتقلوا اونسبوا من دوائر الدولة (الدكتور فلان) *. من مستشار في احدى الوزارات الى مدرس في قسم الأدارة. كنا نحن الجيل الجديد من حملة الماجستير في عمر يتراوح ما بين الخامسة والعشرين والثلاثين وكان الآخرون مابين الأربعين والخمسين عاماً. كان (الدكتور فلان)  في عمر الخمسين وكنا نكن له احتراماً خاصاً لذلك. كان بشوشاً منكتاً يبدوا متواضعاً في معظم الأحيان. ولكن بمرور الأيام جوهر المعدن يبان. في احاديثنا الجانبية كان يدعي ان 14 شخصاً في القيادة القطرية لحزب البعث وقعوا على نقله، ليس ليكون مدرساً وانما ليستلم مركزاً ادارياً كرئاسة القسم او العمادة. وكان ينوه من ان قيادة الحزب تدعمه ( ولم يكن ذلك صحيحاً). لم استسيغ ذلك لمحبتي وتقديري لرئيس القسم وللعميد ولم اجد لديه الكفاءة العلمية او الأدارية. على اية حال هذا شأنه.

بعد ان اتممنا انهاء التأليف وطبعه على الألة الطابعة قدم كل منا انا والدكتور فالح الطلب الى رئيس القسم لغرض احالته الى اللجنة العلمية لأقرار صلاحيته علمياً اولاً ثم اعتباره كتاباً مقرراً معتمداً ثانياً ثم طلب تعضيده وطبعه على حساب الجامعة المستنصرية ثالثاً. بعد يومين من التقديم بعث لي رئيس القسم وطلب مني غلق الباب والجلوس والاستماع.  قال لي ان (الدكتور فلان)   يريد ان يشاركك في تاليف الكتاب ويريد ان يُدرس مادة التسويق في العام القادم، وبالتالي فليس من المعقول وهو دكتور ان يدرس بكتاب مؤلفه من حملة الماجستير. قلت له مارايك انت قال انك تعرف جيداً معزتك عندي وانا اعتبرك افضل وانشط التدريسين في القسم. ولكن هذا الشخص مستقوي بالحزب ودكتور ولسانه سليط ولا ادري ان كنت ستستطيع مقارعته. قلت له استاذ ابو سعد في هذه المرحلة لا اريد إلا ان تحيل الكتاب  الى خبير متخصص لأقرارعلمية الكتاب واصالته وليس بالضرورة ان يكون كتاباً مقرراً اومعضداً. اريده ان يكون مصدراً علمياً ويستطيع الدكتور ان يؤلف كتابه بالكامل وبمفرده ويدرس مادة التسويق وانا قادر ان ادرس اية مادة ادارية اخرى. قال لي حسناً ذلك، ولكنه يريد ان يتحدث معك قبل ذلك.

جائني (الدكتور فلان)، وهومن عمر والدي والذي يتوقع منه ان يكون سنداً للشباب الذي يسعى لخدمة بلده وظيفياً وعلميا. لكنه جاء كي يسرق ثمرة جهودهم العلمية. جائني بأبتسامته وصداقته المصطنعة وقال لي من انه يحبني ويعزني كثيراً. وطرح الموضوع كما يلي: اريد ان اساعدك، اذا وضعت اسمي على الكتاب فإنني اضمن انسيابية التزكية العلمية والتعضيد والطبع على حساب الجامعة. كذلك اضمن لك الموافقة على اعتماده ككتاب مقرر في المستنصرية وجامعة البصرة وجامعة الموصل. كذلك اضمن ان الثلاث جامعات سوف تشتري النسخ الكافية لطلبتها. انه مشروع مفيد للطرفين. قلت له: دكتور كيف ستشارك في التأليف والكتاب مؤلف ونسخة منه مع رئيس القسم؟ هل تقصد ان اضع اسمك على الغلاف فقط؟ قال: نعم هذا يكفي. قلت: وهل سيكون اسمي هو الأول بأعتباري المؤلف الحقيقي ام اسمك الأول بأعتبارك دكتور؟ قال: لا طبعاً اسمي هو الأول. قلت: ولكنك لم تُدرس ادارة التسويق سابقاً. قال: نعم ولكني اريد التجديد!  قلت: واذا رفضت قال: فإن كتابك سوف لا يرى النور في الجامعة. قلت: فبها، اطبعه على حسابي الخاص خارج اطار الجامعة. هنا تحول كلامه ليكون حاداً وصارماً، وقال عليك ان تسمع الكلام فلقد وقعت القيادة السياسية على نقلي لأكون في مركز قيادي ولا يستطيع شخصاً مثلك ان يعصيني. قلت له نعم انك تعرف انني لست بعثيا ولست تكريتيا ولست من عشيرة يُعتد بها ولي سنة واحدة في التدريس وانك تمتلك كل ما سبق. ولكن لعلمك اني مستعد ان احرق الكتاب ولا يكون اسمك عليه ومستعد لمصارعتك لأني تربيت في سوق الشورجة بين تجارها وحماميلها ولا فرق عندي بين الأثنين سوى من يتحلى بافضل الأخلاق. هنا تراجع (الدكتور فلان) ليدخل لي من باب ثاني. فقال لي هل تعلم ان الدكتور …….مسوؤل عن الشيعة في جامعة بغداد وانا مسوؤل عن الشيعة في المستنصرية (وهو ادعاء كاذب). وقع هذا الأدعاء وقع الصاعقة عليّ فجاوبته بأشمئزاز: هل انت بعثي ام طائفي ام مصلحي؟ سأذهب حالاً للعميد لأطرح عليه الموضوع كله وليكون هو الحكم. مسك بيدي متوسلاً محاولاً ان يثنيني إلا اني سحبت يدي منه وصعدت الى الطابق الأعلى لغرفة العميد فقابلت سكرتير العميد لطيف عارف طالباً لقاءه. قال ان العميد قد خرج للتو ويعود غداً وبأمكانك ان تراه قبل الدوام الساعة الثامنة صباحاً. إلا انه رأى شدة تأثري فطلب مني الجلوس والحديث. حدثته بالأمر، استغرب ان يحدث مثل ذلك في الجامعة، واصر ان ارى العميد صباح اليوم التالي.

ذهبت في اليوم التالي لمقابلة العميد سليم ذياب السعدي وهو مستقيم شديد المراس انضباطي علمياً واداريا.  المهم ان سليم السعدي (ابو سهير) بعثي حقيقي وقديم منذ عهد عبد الكريم قاسم وليس من المستبعثين لأغراض وصولية او انتهازية، ولم يكن في ادارته اي نوع من التفريق بين المنتمين وعدمهم. حينما وصلت الى الممر المؤدي الى مكتب العميد كان بأنتظاري (الدكتور فلان) استوقفني للحديث. قلت لدي موعد مع العميد لا يتحمل التأجيل. اخذ بالتوسل والأعتذار ومن انه سوف لا يتدخل بموضوع الكتاب ومن انه سوف لا يدرس مادة التسويق وانني مثل ابنه واخذ يقبل رأسي واراد ان يتواضع اكثر فلم اسمح له لأنه من عمر والدي. قلت حسناً اذهب واخبر رئيس القسم بذلك وسوف ابلغ سكرتير العميد بالغاء المقابلة. ابلغت لطيف عارف الأمر. اعترض بشدة وقال لا تنخدع ويجب ان يعرف العميد بالموضوع. قلت له انه بعمر والدي وتواضع كثيراً واخلاقي لا تسمح لي بأذلاه اكثر من ذلك.

وافق رئيس القسم على تعضيد الكتاب واحاله الى خبير علمي. ولأستغرابي كان الخبير هو (الدكتور فلان). سألته لماذا هذا الأختيار قال لثقتي الكبيرة بك اولاً ولأن ذلك سوف يسكته الى الأبد. وفعلاً لم يأخذ الموضوع طويلاً من (الدكتور فلان)  وجاء التقرير من ان الكتاب يستوفي كل المتطلبات العلمية. احيل الكتاب الى لجنة المناهج لأقراره كتابا مقرراً لمادة ادارة التسويق لطلبة الصف الثاني ادارة ألاعمال. ثم تمت احالته الى لجنة التعضيد التي وافقت على طبع 1000 نسخة على حساب الجامعة المستنصرية. اخذنا الكتاب الى دار الرسالة في الأعظمية وكانت مطبعتهم في باب المعظم، وكل الطباعين كلهم  مصريين وطبع الكتاب على وجه السرعة. اضفت طباعة 1000 نسخة على حسابي الخاص لثقتي من ان الكتاب سوف يباع، وليكون بين ايدي طلبتنا بعد ان اشترت الجامعة 600 نسخةمنه.

الموضوع لم ينتهي هنا. بعد ذلك بأسبوع كنا انا والدكتور فالح الساعاتي و(الدكتور فلان)  مجتمعين في احدى غرف القسم بعد انتهاء الدوام الصباحي بأعتبارنا في لجنة المناهج واذا بالعميد يدخل علينا وعلى وجهه كالعادة نظارته السوداء الغامقة التي لا ترى فيها عينيه بأي اتجاه تدور. وسأل ماالذي تقومون به؟ طبعاً انبرى (الدكتور فلان) بالجواب من اننا لجنة المناهج ومجتمعين لغرض تطوير المناهج الدراسية. قال له العميد سمعت انك تتكلم بالسياسة هذه الأيام. هل تتذكر في زمن عبد السلام عارف حينما كنت انا اتحدث بالسياسة خرجت انت من الغرفة وقلت: ” اسكت ياخوك لا تبلينا؟”  ضحك (الدكتور فلان)  وبلعها. ثم اثناها ابو سهير وهو واقف على رأسنا كالنسر الجارح ونحن الثلاثة جالسين: كيف تكون في لجنة المناهج وانت الذي ايام زمان حينما سألتك كيف خرجت من نصف المحاضرة حينها قلت لي: قشمرنا الزعاطيط  بحجايتين وطلعنا. بعدك اتقشمر الطلاب؟ احمر واصفر وجه (الدكتور فلان)  وياريت الأرض بلعته قبل سماع هذه  الأهانات. لم يكتفي العميد بذلك، ادار رأسه بأتجاهي وقلت لنفسي ياساتر! وقال لي: ” استاذ محمد” هل بعث لك رئيس القسم ابو سعد كي تختار المواد التي تحب تدريسها لهذا العام؟  قلت نعم استاذ. قال: وهل قال لك ان العميد يقول ان الأولية لحملة الماجستيرقبل الدكاترة والمصريين في ألاختيار؟ قلت نعم استاذ. قال: وهل قال لك ان لك السبق في ألاختيار قبل الجميع؟ قلت نعم استاذ. قال اذا اردت اي شئ فإن مكتبي مفتوح امامك، وخرج دون وداع. كلام لا يصدق ولكني علمت من ذلك ان سكرتير العميد لطيف عارف الذي اعزه كثيراً ويحترمه الجميع، قد ابلغ العميد القصة بكاملها.

لقد كان معظم السياسين بمختلف توجهاتهم يتميزون بالنزعة الوطنية مخلصين في ادائهم الوظيفي. ولم تكن السرقة او الرشوة او الأختلاس إلا حالات نادرة عادة سببها الفقر او الحاجة او الجشع. وكان الأنتماء السياسي عبارة عن الأيمان بعقيدة او فكر يلتزم به الشخص ويدافع عنه ويضحي في سبيله. واليوم نرى الأنتهازيون والوصوليون والسماسرة يعتلون اعلى المناصب ليحصدون الكثير ويقدمون القليل. فكما استبعث معظم ابناء الشعب العراقي ايام صدام بسبب الخوف او لتحقيق مصالح شخصية، نرى اليوم الكثيرين ممن يركبون موجة الدين والطائفة والعشيرة كي يصلوا الى مآرب دنيئة انانية لا تخدم الوطن او الدين. تحية اجلال واحترام الى ألاساتذة محمد طاهر الشاوي (ابو سعد) والأستاذ سليم ذياب السعدي (ابو سهير) وامثالهما ممن ادوا رسالتهم الوطنية وفصلوا بين انتمائهم السياسي وادائهم الوظيفي في خدمة الوطن.

* (الدكتور فلان) سوف اتجنب ذكرالأسم بالكامل لأن الغرض هو العبرة في الحدث وليس التشهيرالشخصي.

محمد حسين النجفي

www.mhalnajafi.org

21 آيار 2018

معلومات اضافية عن التعليم في العراق:

 ويكيبديا: التعليم في العراق

https://www.sotaliraq.com/2018/06/12/%d8%aa%d8%af%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%b3/

#التعليم_في_العراق    #الجامعة_المستنصرية     #السرقة_العلمية     #التأليف_في_العراق    #سليم_ذياب_السعدي       #محمد_حسين_النجفي      

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تحالف الأضداد في سائرون 2

في خاتمة المقالة الأولى عن تحالف الأضداد في سائرون،  سألنا انفسنا والقراء الكرام مايلي:

” السؤآل المُلح هو كيف ينظر الشارع العراقي لمثل هذا التحالف؟ هل سيرفع ذلك من شأن الطرفين بأعينهم ام سيراه مجرد اتفاق مصلحي مؤقت؟ وهل ان هذا الأتفاق سيساعد الطرفين على حصول مكاسب انتخابية ام انه سيقلل من حظهم في النجاح؟ وهل ان قواعد وجماهير الطرفين مقتنعة بهذا الأتفاق ام انه قرار اتخدته القيادات فقط؟ الجواب ستحدده نتائج الأنتخابات قريباً؟”

تظاهرات ساحة التحرير

فمن حيث المبدأ كانت كل هذه التسآؤلات مشروعة لأن اتفاق سائرون كان يمثل تحالف الأضداد التي لايمكن للشارع العراقي ان يفهمها او يستسيغها او ان يقبل بها. اتفاق بين الصدريين والشيوعيين! اتفاق بين العلمانيين والأسلاميين! اتفاق بين المهمشين والمثقفين! اما ان يصوت لها فهذا امر ربما كان في ذهن العديد منا من سابع المستحيلات.

وها هي النتائج المذهلة التي اظهرت قائمة سائرون الأولى في بغداد، لا بل الأولى على مستوى العراق. والطعن المميز لنتائج الأنتخابات  جاء من عميد الخاسرين في هذه الأنتخابات اياد علاوي لماذا لأن المشاركين بالأنتخابات اقل من 50% من المؤهلين للتصويت وكأن كل الذين لم يصوتوا كانوا سيصوتون له لو اتيحت لهم الفرصة.

ان عزوف اكثر من 50% من المشاركة في التصويت كان نتيجة حالة الأحباط حول امكانية التغيير. ولكن من شارك في الأنتخابات كان من هو جاد في رأيه مؤمنا باهمية صوته، مؤمنا بالعملية الأنتخابية، مستعداً لبذل الجهد في البحث والتقصي كي يحدد لمن سيمنح صوته الغالي هذه المرة. لقد طرحت المرجعية الفاضلة مفهوماً بسيطاً جداً للناخب العراقي:

“المُجرب لا يُجرب

مفهوم بسيط منح الناخب العراقي مهلة للتفكير. ان من سلمته الأمانة وخانها اصبح خائن لا يؤتمن مرتين، ومن سلمته الخزانة وسرقها لا تسلمه مفاتيحها مرة اخرى، ومن سلمته الأدارة ووظف اخوته وعشيرته افصله منها هو ومن عينهم. مفهوم بسيط فهمه من اراد وجلس في بيته من لم يرد ان يتعب نفسه في البحث عن الأيادي النظيفة والعقول النزيه والسيرة الشريفة.

ان نتائج هذه الأنتخابات تمنحنا الثقة من ان الناخب العراقي بدأ في التفكير والتمعن قبل ان يمنح صوته على اساس طائفي او عرقي او مناطقي او عشائري. نعم مازال كل ذلك جزء من الخيارات إلا ان نتائج هذه الأنتخابات تشير الى انها في الطريق الى الانحسار.

وليس تصدر قائمة سائرون نحو الأصلاح ما اذهلنا فقط،  وانما هناك الكثير مثل انحسار شعبية علاوي والمالكي والحكيم والنجيفي (المجربون الذين يجب ان لا يجربوا). كذلك لأول مرة لم يتصدر الفوز قائمة الحاكم (العبادي) رغم دوره الفاعل بالقضاء على داعش. ولابد من الذكر ان النجاح الكبير الذي حققته قائمة الفتح بقيادة هادي العامري ماهو إلا دلالة على وفاء العراقيين لما قدمه الحشد الشعبي وشهدائه في سبيل تحرير العراق من مجرمي داعش.المهم في هذه الأنتخابات هو انكسار الحاجز الطائفي بين السنة والشيعة وتفتت الكورد في مجابهات ستدعوهم للأتكال على تحالفات خارج الأطار القومي الضيق.

وبعد فوز سائرون عليهم ان يعلموا من ان الشارع العراقي اثبت للجميع من انه سيراقبهم ويقيمهم ويحاسبهم عل مدى التزامهم في شعارهم الذي الزموا انفسهم به وهو:

“سائرون للأصلاح  لبناء الدولة المدنية …. دولة المواطنة والعدالة الأجتماعية”

محمد حسين النجفي

mhalnajafi.org

27  نيسان 2018

لقرائة المقالة الأولى عن تحالف الأضداد:

تحالف الأضداد في سائرون

 

تحالف الأضداد في سائرون

قبل حوالي العامين ادرك السيد مقتدى الصدر بذكائه الفطري ومعانات اتباعه من المحرومين والمهمشين في مدينة الصدر (الثورة) وبقية المدن الفقيرة في العراق وما اكثرها، من انه لن يستطيع الحصول على اية انجازات حقيقية من داخل السلطة التي هو جزء منها، سواءعن طريق البرلمان او مجلس الوزراء او المحافظين.  لماذا لا؟  لأن المكاسب للسياسين كأفراد فقط وموزعة طائفياً ومناطقياً ولايمكن المساس بها. وبالتالي قرر ان عليه القيام بنشاط جماهيري مطلبي واحتجاجي خارج السلطة وضدها. إلا انه ادرك ان هناك حركة جماهرية مطلبية قد سبقته في النشاط ضد الفساد الأداري والمالي والطائفي، يقودها المدنيون والعلمانيون من المثقفين والطلبة والعمال واهم مكوناتها الحزب الشيوعي العراقي. وهم يمارسون ذلك كل يوم جمعة ومنذ امد بعيد في العديد من المدن العراقية وخاصة بغداد وعند ساحة التحرير وتحت منصة نصب الحرية الشامخ. وعليه قرر فتح خط الحوار معهم على الرغم من الفارق الأيدولوجي الشاسع بينهما. كان مارآه الصدرهو التشابه في المطالب الجماهيرية.  فقرر ان يشارك معهم في مسيرات ونشاطات مختلفة تخلل ذلك اجتماعات تنسيقية بين الجهتين. وبطبيعة الحال فإن بعض افراد الكادر السياسي من كلا الطرفين لم يروا في ذلك اي مستقبل او ملائمة لتحالف من هذا النوع. وربما يكون للمخالفين رأي صائب في ذلك. ولكن عدم القدرة على انجاز اي اصلاح سياسي من قبل السيد الصدر واتباعه بمفردهم وعدم قدرة الشيوعي للوصول الى البرلمان اعتماداً على امكانياته، كانا عاملان مهمان للتحدي والعمل المشترك عسى ولعله ان يثمر بنتائج ايجابية في الأنتخابات القادمة تحت مظلة قائمة “سائرون”.

تظاهرات ساحة التحرير

إن عمل مشترك كهذا، وان كان هدفه قصير الأمد ممكن ان يتعزز ليتحول الى تحالف استراتيجي طويل الأمد خاصة اذا حققت قائمة “سائرون”  بعض النجاح في الأنتخابات القادمة. ولذلك متطلبات منها ان يتعرف كادر وقيادات كلا الطرفين كل منهم على ايدولوجية الآخر ويبحث بجهود مضنية كي يستكشف المكونات والأهداف الأجتماعية والأقتصادية التي تجمع الطرفين وتحقق آمال جماهير وقواعد حركتين احداهما دينية للطائفة الشيعية واخرى علمانية لعموم العراقيين. وهذا ليس بالسهل او اليسير وان كان ليس بالمستحيل. وما اراه ان السيد مقتدى الصدر عليه ان يخفف من خطابه الديني والأرتجالي ليغنيه بمطاليب مدنية واضحة ومحددة تسعى لها الجماهير من خدمات وتوظيف وعدالة اجتماعية وهذا لا يتم إلا بألغاء المحاصصة الطائفية المقيتة التي لا يستفادة منها اكثر من مئة شخص معشعشين في اوكار الدولة منذ عام 2003.

وكذلك على الحركة المدنية العلمانية بقيادة الحزب الشيوعي ان تخفف من خطابها المعادي لأستيلاء الأحزاب الدينية بأنواعها على السلطة في العراق. لأنه يعطي انطباع مغلوط من انها حركة معادية للدين. وعليها ان تفرز بوضوح اكثر انها لا تعادي الدين او الشعائر الدينية او الممارسات الدينية لكافة الأديان والطوائف وتعلن ذلك مرارا وتكرارا. وانما هي ضد مدعي الدين والتقوى وهم اكثر الناس فساداً وممن اثروا من المقاولات وحصص القومسيون والمخصصات على حساب عامة ابناء الشعب، وان تكشفهم وتفضحهم بأسمائهم الشخصية وليس بأنتماءاتهم السياسية او الطائفية، لأن في كل الأحزاب من هو نزيه ومن هو فاسد. كذلك على العلمانيين ان يعززوا خطابهم السياسي بنماذج دينية ووطنية تأريخية لكافة الطوائف من الخالدين والمنزهين من الذين اثروا البشرية بسيرتهم الرائعة ودفاعهم عن حقوق الأنسان والعدالة الأجتماعية،  وذلك بدلاً من استمرار الأستشهاد بالتجارب العالمية التي حدثت في روسيا وفرنسا وامريكا اللاتينية ورموزها والتي لم تعد تمس افكار ومشاعر المواطن العراقي البسيط في هذا الزمان والمكان وهو العراق.

واذا كانت الحاجة ام الأختراع هي التي املت على طرفين متناقضين يبدوان متضادين ان يتعاونا في قائمة واحدة وهي “سائرون” فإن المصلحة الوطنية العليا تملي على كل الأطراف النزيهة والشريفة لتعاون اقوى واعمق لمقارعة آفة الفساد المالي والأداري التي تستنزف الموارد المالية الهائلة التي يمتلكها العراق. تلك الموارد التي يحتاجها العراق والعراقيين للبناء الأقتصادي المنتظم الذي يؤدي لعيش رغيد لجميع المواطنين.  ان القاعدة الشعبية للسيد مقتدى الصدر هي جماهير المدن الشيعية المسحوقة التي لم تحصل على مكاسب بعد عام 2003 وهي نفس الجماهير التي يدافع عنها اليسار العراقي. وما يستطيع اليسار ان يقدمه للصدرين هو طبقة مثقفة مجربة ومتميزة بنظافة ايديها من اي فساد مالي او اداري.

يبقى السؤآل المُلح هو كيف ينظر الشارع العراقي لمثل هذا التحالف؟ هل سيرفع ذلك من شأن الطرفين بأعينهم ام سيراه مجرد اتفاق مصلحي مؤقت؟ وهل ان هذا الأتفاق سيساعد الطرفين على حصول مكاسب انتخابية ام انه سيقلل من حضهم في النجاح؟ وهل ان قواعد وجماهير الطرفين مقتنعة بهذا الأتفاق ام انه قرار اتخدته القيادات فقط؟ الجواب ستحدده نتائج الأنتخابات قريباً؟

أقرأ ايضاً: اضغط على الرابط ادناه:

اليساريون والصدريون

محمد حسين النجفي

mhalnajafi.org

27  نيسان 2018

                                                                                       

Memorable experience at Iraqi ER

During the summer of 1966, my appendix became so painful that it required immediate medical attention.  I told my father that I would like to have the operation done at the Central Public Hospital. He refused to allow me to attend a public hospital because we were a middle class family and we could afford to be treated at a private hospital.  But I was a populist; I explained to my father that I am not the type of kid that wanted to be treated like an elitist. I wanted to experience medical treatment like ordinary people, whether it was great or miserable, simple or complicated, successful or failure.

From left: my father, my mother, myself, Uncle Mahdi, Uncle Karim, Uncle Mohsen

While my father understood my position, he was concerned that people would think we were just trying to save money. I didn’t care what people thought or said though.  My father and I were unable to reach an agreement, so we got my uncles involved.  Uncle Mohsen proposed a compromise. His friend was a military officer who had a friend who was a surgeon at the public ER hospital located in downtown Baghdad.  That way, I’d get the public hospital while my father would get some peace of mind.  Finally, we had an agreement.

My father, my Uncle Mohsen, his friend the officer and I went to the ER to meet the surgeon and everything was ready for the operation. Before the start of the anesthesia, the surgeon asked a nurse to turn on the radio and search for the new songs of one of the most famous Arabic singers, then and now, “Umm Kulthum”. At that time, the songs “You are my age” and “You are the Love” were being played day and night on most of the Arabic Radio stations. And finally they agreed that the operation will be performed while listening to the tune of “You are my age”.

While I was stretched out on the operating table, the surgeon was excited and waiving the cutting blade in his hand with the music.  I became worried, but I told myself perhaps it is the self-confidence of young doctors. Maybe this is modern medicine. Yes, they are young doctors and from a modern medicine school! Or are they indifferent, careless and the lives of their patients aren’t of great concern? After seeing that, I started to appreciate my family’s insistence for private care. And while we were in the middle of the great musical introduction of one of the most famous Arabic music composers Mohamed Abdel-Wahab, and before Umm Kulthum’s throbbing voice cracked her influential singing, the effects of the anesthetic started working. As the sergeant said, I woke up just before the song finished.

In the recovery room, there were two beds – in the first bed was an old man and the second was for me. His bed was closer to the door, while my bed was closer to the window. Since we were in the middle of the first class Iraqi summer heat, sleeping near the window was a treat.

I woke up on the second day and the nurse asked me to walk the corridors of the hospital to stimulate throwing up, to empty my stomach from the residue of the anesthesia. As I did so, I tried to identify some faces, what was happening in the corridors of the hospital to the people, the events and their stories. While I was walking around I felt nauseated and went to the bathroom and vomited; a bitter ugly flavor shook all of my body. But afterwards I felt very comfortable as if a dragon had been buried in my chest and I had got rid of it.

I went to my room and there waiting for me was the assigned housekeeper. He was very slim and very tall. From his general look I could tell that he was from the southern part of Iraq and most likely he was a resident of the city of Al-Thourah (Revolution) which is one of the poorest districts in Baghdad. He asked me about my name and told me that his name is Shabboot (“Carp”). This was the first time I heard of a person named Carp, which is a kind of fine Iraqi river fish. Shabboot was a very funny, jolly guy, and had all the gossip about the doctors, nurses, patients and whatever went on between them. He began to tell me about the gangster who was stabbed by a knife in the Kurd District in downtown Baghdad; the case of the prostitute, who was attacked by five of the hustlers repeatedly through the night, and would have bled to death if the ER didn’t save her life; the boy who was molested and raped by his PE teacher and many other amazing stories that are unheard of in private hospitals and bourgeois societies.

I asked him about a girl I saw strolling down the aisle wearing a semi-transparent silky black dish-dasha (nightgown). She had a beautiful tanned face, with long black hair and a slim figure, but the expression on her face was very sad and lost and looked like there was no life in it. I asked Shabboot what was her story? Shabboot could not begin to speak before lighting his cigarette. Her story was that she was betrayed and abandoned by her lover who ended up marrying another girl. She set herself on fire, burning her whole body, except for her face. She wanted to die but medicine did not have mercy on her and kept her alive to suffer. She had lost her beloved and lost her body, and the soul remained confused between sorrow and remorse. I saw the impact in the glare of Shabboot’s eyes and in the grave tone of his words. Yes, everyone sympathized and empathized with her, but what were her feelings and what was she thinking?

That same afternoon I got the grand visit by my father, my mother, my uncles Mahdi, Mohsen, and Karim. They came loaded with all kinds of food, fruits, and meat. They were like going to a picnic. We started to eat all of them and my uncle Mahdi insisted to cut a big watermelon in order to cool our hearts from the heat of the summer. My mother said to spare the boiled chicken for my dinner and that I have to eat it, because I needed to make up for the loss of blood and my face looked very pale. She did not let anyone touch that chicken. It was a family gathering of the nicest kind, regularly interrupted by jokes and laughter from all, particularly uncle Mahdi. My father was tired of the disease that began to appear on his face. But on that day I was the patient and I was the center of attention, where I was then the first child in the family and the center of attention of all its members.

Everyone left, and after that delicious food I fell in a deep summer afternoon nap. I woke up hearing Shabboot screaming, cursing the cat that stole my chicken dinner and ate it. Then he asked me, ‘Why did you leave the window open? “Abu-Jassim,” (Nick name for Mohammad), don’t you know that the cats here are waiting for such golden opportunities?’ He continued with his exaggerated act to prove that the cat stole the chicken and not him. I examined the pan, it was not flipped and there was no spill on the floor. It was obvious piracy to eat my chicken. I asked Shabboot in a sarcastic way if the cat had left any piece of meat for me. He shied away and told me that tonight the hospital food was great and my dinner was on him. I couldn’t be hard on Shabboot because I liked him. He was a very simple man tempted to eat delicious chicken without affecting the health of an obviously rich boy in a public ER. I kept asking him how did the cat grab the chicken and run. Each time he gave different details and we both laughed and laughed and laughed.

Mohammad H Alnajafi

mhalnajafi.org
April 26,2018

الثقافة فوق القانون: منهج القاضية اللبنانية جوسلين متى

ادهشت القاضية اللبنانية جوسلين متي المجتمع اللبناني بشقيه المسلم والمسيحي، وكذلك اصبحت مجال جدل عربي ودولي لحكمها الصادر لمعاقبة ثلاث جهلة مسلمين اساءوا للسيدة مريم العذراء التي يقدسها المسلمون وابنها سيدنا المسيح عيسى بن مريم. وهذا التقديس ليس خياراً شخصياً وانما فرضاً اسلاميا لأنه مذكور قي القران الكريم. ليس في سورة عمران فقط، وانما في العديد من الآيات القرآنية الكريمة. قرار القاضية المثقفة يحمل في طياته، ان الجهل هو احدى اهم مسببات الصراع الطائفي المقيت ويجب ان يحارب بنشر الثقافية التعددية وليس الأحادية. وان مهمة القضاء يجب ان تكون الأصلاح وليس العقاب الأنتقامي الذي ربما يعمق الأنحراف الذي عليه الفرد او المجتمع بدلاً من ان يقومهُ.

ارجول تكملة المقالة من هذه التفاصيل المنقولة ادناه

Read More

سستر ميري

إنتقلنا في عام 1951 من منطقة الدهانة في بغداد، لنسكن في بيت كبير في شارع الكنيسة منطقة البوليس خانه في الكرادة الشرقية. وكان سبب الأنتقال هو لأستقدام بيت جدي وخوالي من الكوفة الى بغداد. وسُمي هذا الشارع بشارع الكنيسة لوجود كنيسة قرب نهاية الشارع جهة نهر دجلة. وكانت هذه الكنيسة بناية كبيرة عالية مبنية من الطابوق. وتضم الكنيسة ايضا دار ايتام و حضانة وروضة، ولذلك كانوا يسمونها ايضاً دير الراهباتً.

وفي يوم من الأيام توقفت امرأة ذات ملامح ملائكية جميلة وهادئة وبملابس الراهبات الوقورات بالرداء الابيض المغطى بخمار اسود على الأكتاف. توقفت سستر ميري امام دارنا وكنت العب في التراب امام باب البيت. قرعت باب الدار لتخرج امي وتتحدث معها. سألتها عن اسمي وقالت لأمي لماذا يلعب محمد في الشارع ويوسخ نفسه في التراب؟ اجلبيه الى الكنيسة صباح كل يوم كي يتعلم ويلعب مع بقية الأطفال. كانت امي امرأة بسيطة غير متعلمة وملتزمة دينياً في الصلاة والصوم ولم يمضي على قدومها من النجف الأشرف اكثر من عامين، ومع ذلك وافقت ووافق ابي وكانت كل يوم تحضرني وتلبسني الشورت ذو الشيال مع القميص، وترسلني الى الكنيسة. وكان في داخل الكنيسة ساحة كبيرة (حوش) نلعب بها طول الوقت. وبعد ذلك ادخلوني مدرسة راهبات الكلدان في كمب الأرمن قرب ساحة الطيران وبعدها مدرسة الحكمة الأبتدائية في الكرادة الشرقية وكلها مدارس اهلية بأدارة مسيحية.

انا في الملابس التي كنت اذهب بها الى الكنيسة مع خالي مهدي وخالي كريم في سطح بيت الطحان في شارع الكنيسة بوليسخانة كرادة عام 1951

وحينما افكر في الموضوع حالياً اجده غربياً بعض الشئ. لماذا؟ لأن امي لم تكن تعمل وبالتالي لا تحتاج  الى مربية (بيبيستر). واذا احتاجت لمن يهتم بي فإن هناك خالتي وعمتين وجدتي. كذلك الأمر فيما يخص الكنيسة وسستر ميري، فإنهم لم يكونوا بحاجة لأضافة أطفال آخرين فإن لديهم ما يكفي من الأيتام والأطفال من ملتهم. فلماذا اذاً توقفت الراهبة بباب دارنا؟ ولماذا وافقت امي وابي وجدتي وجدي وخوالي دون اي احتجاج؟

الجواب ببساطة قبل سبعين عاماً كانوا اكثر تحضراً من الذين يدعون الثقافة والدين هذه الأيام. كان الدين حضارة وثقافة تهذب السلوك وتهدي القلوب الى احترام ومحبة الغير. لا ادري ان كان هناك مثيلاً لسستر ميري؟ ومثيلاً لأمي وابي في هذه الأيام؟ ولكني اعلم علم اليقين ان ثقافة ذلك الزمان كان لها الأثر الأيجابي على ما نشأنا عليه أنا وابناء جيلي الذين نحن آخر بقاياه.

محمد حسين النجفي

14 نيسان 2018

mhalnajafi.org

نهاية سيادة الدولة كما نعرفها

تكونت الدول كما نعرفها بحدودها الجغرافية وبأسماها المبتكرة في مطلع القرن العشرين وخاصة بعد الحرب العالمية الاولى. تطور ذلك بمرور الأعوام لتتحول العديد من المستعمرات الى دول او دويلات تحت الأنتداب ومن ثمَ الى دول مستقلة لتدخل في عضوية عصبة الأمم ومنها مملكة العراق. وتطورت الجغرافية السياسية وتغيرت مرة اخرى بعد الحرب العالمية الثانية لتستقل شعوب اخرى كي تصبح دول ذات سيادة معترف بها دولياً بعد قبولها لتكون عضو في منظمة الأمم المتحدة. لقد حصلت هذه الشعوب على استقلاها بعدة طرق سواء كانت بكفاح مسلح مثل الجزائر وفيتنام او عن طريق نضال سلمي مرير مثل الهند والباكستان او عن طريق تنصيب حكام موالين للدول الغربية الكبرى مثل المملكة الهاشمية في العراق والأردن و المملكة السعودية والأمارات وسلطنة عُمان.

بموجب القانون والأعراف والمعاهدات الدولية والنظام الداخلي لمنظمة الأمم المتحدة فإن الدول الأعضاء فيها يتمتعون بسيادة كاملة على اراضيها وحدودها ومصادر ثروتها الطبيعية كالمياه والتي في باطن اراضيها ومياهها الأقليمية سواء أكانت حقول نفط وغاز ام مناجم ذهب او كبريت.

لقد اظهرت الدول الفتية التي استقلت وتطورت ابان المنتصف الثاني من القرن العشرين رغبة ملحة للأستقلال سياسياً من خلال تقوية تضامنها عن طريق منظمة الدول غير المنحازة، وكذلك من خلال بناء او محاولة بناء اقتصاد متكامل ومستقل من التبعية الى اقتصاد الدول الصناعية المتقدمة.

هذه الرغبة الملحة في الأستقلال في سنوات النصف الثاني من القرن العشرين، لعبت دوراً كبيراً في:

  • رفع اسعار المواد الأولية الخام التي تصدرها الدول النامية الى الدول الصناعية.
  • عدم تنامي التصدير للدول النامية من قبل الدول الصناعية نتيجة لنمو القطاع الصناعي والزراعي في هذه الدول.
  • نمو استهلاك المنتجات المصنعة محلياً  نتيجة للحماية الكمركية التي فرضتها على السلع المستوردة.
  • تطور مشاريع ضخمة في الدول النامية نتجية تدخل الدول وتنمية القطاع العام في ادارة المشاريع الاقتصادية.
  • اتساع ظاهرة الكساد الأقتصادي في الدول الصناعية المتقدمة نتيجة انخفاض الطلب من الدول النامية.

ولما كان لكل فعل رد فعل، فعليه لم تدخر الدول الصناعية الكبرى جهداً ولم تضيع وقتاً. فكان لابد من القيام بخطوات واسعة ومنسقة كي تقضي على خطر وصول الدول النامية الى مرحلة الأستقلال السياسي والتكامل الأقتصادي. ولذلك شهد النصف الثاني من القرن العشرين وليومنا هذا ما يلي:

  • تقليل الأعتماد على المواد الخام المصدرة من قبل الدول النامية التي تظهر رغبة ملحة في الأستقلال الاقتصادي مثل ايجاد بدائل للطاقة المعتمدة على النفط الخام مثل الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي.
  • المقاطعة الأقتصادية للدول التي تعصي رغبات الدول الصناعية الكبرى ومحاولة اذلالها وخنقها اقتصادياً كما حدث لكوبا وايران والعراق وسوريا.
  • تغيير السلطة السياسية للدول النامية التي تعتبر معادية للغرب عن طريق التخطيط والتآمر بشكل سري او علني مثل تغيير السلطة عدة مرات في العراق ومصر وسوريا واندونيسيا وتشيلي.
  • تأجيج احتجاجات شعبية مستخدمة اسباب معاشية او استغلال ضعف حماية حقوق الأنسان او انعدام المؤسسات الدستورية. وهذا ما حدث في ما يسمى بالربيع العربي وما فرزه من انعدام امني وسقوط العديد من الدول فريسة سهلة للتشدد الديني والسقوط كلياً او جزئياً تحت سيطرت الأرهاب.
  • التدخل المسلح المباشر لتغيير السلطة في العديد من الدول بعد فشل الطرق السابفة في اعطاء النتائج المرجوة. وهذا ما حدث في بنما وكرينادا والعراق وافغانستان وليبيا.

ومما قلل من قيمة سيادة الدول في العالم الثالث سواء الدول ألاسلامية او الدول التي يسكنها مسلمون هو ظاهرة الحركات الأممية ألاسلامية الأرهابية التي ترتبط ببعضها على اساس عقائدي وليس قومي او اقليمي او وطني. وعليه نجد حركات مثل القاعدة او داعش او النصرة او بوكو حرام لا تلتزم بحدود ولا تركز على تغيير الوضع السياسي في عواصم هذه البلدان وانما تركز على مناططق حدودية قريبة من مصادر تمويلية مثل المناجم وآبار النفط ومناطق من الصعب على الدولة والجيش النظامي الوصول اليها. ومما ساعد على سهولة نجاح وانتشار نفوذ الأرهابيين بهذه السهولة ثلاث عوامل اساسية:

  • الفساد ألاداري والمالي وانتشار البطالة في دول العام الثالث مما جعل الشباب مستعدين لتقبل اية افكار وان كانت هدامة وعنيفة.
  • العامل الثاني ان هذه المنظمات الأرهابية تم توظيفها لخدمة الصراعات المحلية بين الطوائف مثل ما حصل في العراق وسوريا وكذلك في خدمة الصراعات الأقليمية مثل تدخل تركيا والسعودية وقطر وألامارات في العراق وسوريا وليبيا.
  • انتشار ظاهرة دور الشركات العالمية الكبرى للأستفادة من هذه الظاهرة سواء في بيع السلاح لجميع الأطراف او لشراء المواد الأولية باسعار بخسة من المنظمات الأراهبية او حتى في التحكم بأسعار السوق العالمي.

فعليه نجد يوماً بعد يوم ضعف الدولة امام انتشار وسعة دور المنظمات الأرهابية والمشكلة هي ارتباط هذه المنظمات الأرهابية بصلات اقتصادية مع شركات دولية كبرى من خلال شبكة اتصالا ت من الممولين والسماسرة والذين تهيئ لهم الأجواء من قبل السياسين الفاسدين في دول العالم الثالث.

فما هو الحل:

للأسف الشديد ليس هناك من حلول سهلة لما آلت اليه الأمور.

محمد حسين النجفي

mhalnajafi.org

9 نيسان 2018

رثاء اخي الحاج رعد بمناسبة مرور اربعين يوماً على رحيله

صحيح ان اخي الحاج رعد أصغرمني من حيث العمر، ولكن الشهادة لله الكل يعلم من انه كان كبيراً في ايمانه وورعه وتقواه الى آخر نفس في بدنه قبل ان تفيض روحه الطاهرة المطمئنة الى مثواها الأخير بيد رب العالمين. وكان كبيراً في كرمهِ اخلاقياً ومادياً، ومساعداً للقريب والغريب، ومؤتمناً لأسرارالناس، لم اسمعه يومياً يذكر الغير بسوء ولا يشهر بمصائب الناس ولا يتبجح بما قام به الى هذا وذاك.

لعائلته كان الحائط الذي نتكأ عليه جميعاً، وبيته مضيف للجميع، والبنك الذي نستلف منه، والحكمة التي تفيدنا مدى الحياة، والبسمة الساحرة، والضحكة النابعة من القلب، لم يزعل من احد ولم يُزعل احد، يحبه الصغير قبل الكبير، يحترم الجميع والكل يحترمه.

لم يتكبر على احد ولم يغيرهُ المال ولا الجاه. لم يَحسد الذين تفوقوا عليه تجارياً ولم يتكبر على اللذين حقق نجاحات اكثر منهم. والكل يعلم كم كان طيباً وبسيطا،  ومكتبه ملتقى القريب والغريب، واندفاعه في الحياة هو تحقيق النجاح ضمن حدود الضوابط الأخلاقية العليا، دون طمع في مال الغير وجشعاً في الأرباح غير المشروعة.

كان يحب اصدقائه ومجتمعه اللندني كثيراً حتى انه في شدة مرضه ومنع الأطباء له واعتراض العائلة واعتراضي شخصياً، اصر ان يبقي باب الزيارات مفتوحة سواء في المستشفى ام في البيت، في شدته وفي راحته، في النهار ام في الليل. وإن دلّ هذا على شئ انما يدل على شدة التصاقهِ بمجتمعه ومحبتهِ لهم واسئناسهِ بوجودهم في حياته، واني لمتأكد من انهم يبادلوه نفس المشاعر.

كان مدرسة اخلاقية ونموذجا أعلى يحتذي به الصغير في عائلتنا قبل الكبير. شخصية لا يسد فراغها العديد منا مجتمعين. ونحن كعائلة عرفنا قيمته وقدره في حياته قبل وفاته، وهذا من النوادر في الحياة. لذلك اجتمع حوله وهو في فراش المرض اقرابه جميعاً مهما بعدت مسافاتهم ولم تشغلهم مشاغل الدنيا من السؤال عنه وزيارته والتمتع بأحاديثه ونصائحه. وكان مجلسه في آخر ايامه مجلس صلح ومسماحة وتآخي القلوب ونبذ الفرقة ونشر المحبة. ولتكن هذه الرسالة امانة في اعناقنا جميعاً ولا ننسى رسالته في الحياة وهو افضل ما نذكره به في حياتنا كلما حدث ما يستوجب الأستشارة والنصح.

سوف لن ننساك ياأخي الحبيب، فإنك مغروس في ضمائرنا، وابتسامتك تنور حياتنا واقوالك وصبرك وتانيك في الأمور مرشدنا. اما كرمك وسخائك فهي مفخرة لنا لا نستطيع موازاتها. انك فخري واعتزازي واقرب المقربين لي في حياتي وخسارتي في الدنيا التي لا تعوض والتي ستبقى الماً في الفواد وفراغاً ابدياً محزنا. وما عزائنا سوى اننا نعلم علم اليقين انك بيد رحمن رحيم وجالساً في جنات الخلد مع الأمة الأطهار والصالحين. وإنا لله وإنا اليه راجعون.

رحم الله من قرأ سورة الفاتحة على روح اخي الطاهرة الحاج رعد علي النجفي “ابو حسين”.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد حسين النجفي

mhalnajafi.org

March 24, 2018

You have successfully subscribed to the newsletter

There was an error while trying to send your request. Please try again.

أفكار حُـرة : رئيس التحرير محمد حسين النجفي will use the information you provide on this form to be in touch with you and to provide updates and marketing.